بــنــــدر
12-05-2010, 08:04 PM
http://www.rofof.com/img5/8qukix24.png
انتبه يا مسئول
يفرح الكثير من الناس حينما يترقي ويصبح مسئولا , وكأن الإنسان خلق ليكون منتهاه في هذه الحياة أن يكون مسئولا , ولوعلم أن كل إنسان منا مسئول , ما زاحم ولا صارع ولا نافس ولا شاكس من أجلها فهو في الحقيقة مسئول رضي بذلك أم أبى , ( كلكم راع وكلكم مسئول عل رعيته ) بمعنى كلكم مسئول عما استرعاه الله من أي أمر , ليس بحجم الأمر ولا ضخامته ولا شكله وإنما بمسئوليته , وكلمة مسئول في اللغة على وزن مفعول , أي أن لكل مسئول سائل , وإذا كان المستوى الأعلى دائما هو السائل , فالأعلى تعالى هو سائلنا جميعا : ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) , ومن ثم استشعر ذلك خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز وهو يقرأ قوله تعالى : ( وقفوهم إنهم مسئولون ) فأخذ يكررها حتى أغشي عليه , فهلا انتبه كل مسئول لمسئوليته !!؟ .
هذا الاستشعار بالمسئولية إذن لا يحتاج إلى منصب أو مال أو وجاهة أو فهلوة أو ثقافة , وإنما إلى شعور بالله أولا , يجعل المسئول يستشعر الموقف بين يدي مولاه , فلا مسئولية بدون حساب , لأن المسئولية تكليف وتبعة , المسئولية تكليف وأثقال , ومن ظنها غير ذلك فهو على خطر عظيم , كمن يظنها شرف ينال , أو وجاهة يسعى إليها , أو سلطة لا يعيش إلا بها , هؤلاء يعرضون أنفسهم لحساب شديد , فالحساب واقع لا محالة , حيث
أن الحساب ممزوج بالمسئولية , ولا حساب بدون تكليف : ( أيحسب الانسان أن يترك سدي ) .
ولذلك وضع الاسلام للتكليف شروطا ثلاثة حتى لايحسب البعض أنها تباع وتشترى أو يستطيع البعض أن يهرب من تبعاتها ,أو يغير فيها وفق هواه ومصالحه : ( رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ , وعن الصبي حتى يحتلم , وعن المجنون حتى يعقل ) .
فالنائم فاقد للعقل , والصبي فاقد للإدراك , والمجنون فاقد للحياة , وإني لأعجب كل العجب من إنسان وهبه الله كل ذلك وهو بيده يفقد عقله او حياته أو إدراكه , بالتدخين تارة أو بالمخدرات أخرى , أو بالمسكرات والمنهيات , أو بالإفراط والتفريط في أموره , وأقرب مثال لذلك هؤلاء الأعضاء أصحاب المصالح الذين يتعمدون العيش في غيبوبة وهم يعلمون , فيصفقون إذا صفق المصفقون وهم لا يدرون , ويوافقون إن سمعوا كلمة موافقة وهم لا يدركون , ويستيقظون رافعين أيديهم على أخطر قرارات ثم ينامون , فهل رفع القلم عن هؤلاء ؟ أم سقطت عنهم المسئولية ؟ , وهل بالفعل تسقط المسئولية ؟ ومتى تسقط ؟ , وعن من تسقط ؟ .
http://www.rofof.com/img5/8qukix24.png
متى تسقط المسئولية ؟
هل نظرت إلى طفل صغير وهو ينعم بنوم عميق , أرجو أن تتفحصه لدقائق ثم امسك ورقة وقلم ودون ما تشعر به , إن شعورا عجيبا بالراحة والهدوء والسكينة ينتابك وكأنك في عالم آخر , حيث لا إدراك ولا وعي ولا عقل ولا إرادة , ومن رحمة الإسلام بأبنائه أن تسقط عليهم المسئولية في نفس حالات هذا الطفل الغائب عن الوجود : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) , أي في ثلاثة مواقف تسقط المسئولية :
1 – النسيان : الذي هو كالغيبوبة تعتري الانسان وهو مستيقظ , فلا يدري تماما ما فعل وما قال , وليس تمثيلا أو تصنعا , ولذلك حينما ضرب النبي المثل جعلها في فريضة تنسي , كالصلاة , فقال صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة له إلا بذلك ) , فما بالك بما هو دون الفريضة ! , من عهد أو قول أو فعل أو تكليف .
2 – الإكراه : حينما ظن عمار بن ياسر أنه قد هلك , لأنه سب النبي ونال منه تحت وطأة التعذيب مكرها على ذلك , قال له النبي : كيف تجد قلبك ؟ قال عمار على الفور : مطمئن بالايمان يا رسول الله , فقال له النبي موضحا الأمر ونكاية في هؤلاء الذين ينالون بالتعذيب ما يريدون : ( إن عادوا فعد ) , وفيه نزل قوله تعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان).
3 – الاضطرار : في قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ) , وحتي لا يقول أي إنسان كنت مضطرا لذلك , حدد الله تعالى شرطين للاضطرار : لا يكون هناك عدوان على أحد أو تجاوز للحد , وبذلك لا يجوز القول : كنت مضطرا للرشوة , أو للانتقام منه , أو تعذيبه , أو ظلمه , أو تنفيذ تعليمات , أو أو أو ….. ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا , إن تتتبعون إلا الظن , وإن أنتم إلا تخرصون ) حتى التعلل بان ما نفعله هو وقوع تحت وطأة القدر نفاه الله تعالى , فهو ظن كاذب وتعلل واه , وضحك على النفس في غباء شديد .
http://www.rofof.com/img5/8qukix24.png
لماذا المسئولية ؟
لا يتحمل أحد مسئولية غيره , كلنا يحفظها ويعلم معناها جيدا , بل ونحفظ جميعا الآيات الدالة على ذلك : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) , ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره , ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) , وبالتالي : لا يتحمل أحد مسئولية عمل غيره , حتى الطاعة التي أمر الله بها لغيره , جعلها مقيدة , بل جعل لها حدا , فقال تعالى بالنسبة للوالدين : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) , وبالنسبة لطاعة ولي الأمر قال صلى الله عليه وسلم : ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية , فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) , وتظل المسئولية في حدود القاعدة النبوية : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .
http://www.rofof.com/img5/8qukix24.png
أنواع المسئولية
أولا : مسئولية القدوة
أول مسئولية القدوة : ( لا للمخالفة ) , وهذا العنوان الوحيد الذي تجد عنده كل مسئول حقيقي وليس الزائف , وهذا ما دلنا عليه نبي الله صالح في قوله تعالى : ( وما أريد أن أخالفكم لما أنهاكم عنه ) , فهو الميزان الدقيق أو المعيار الحساس لمعرفة المسئول .
فإذا وصلت إلى العنوان استطعت أن تتعرف على أول ملامح مسئولية القدوة : وهي في قول ابن تيمية : ( لا تقية لقدوة ) بمعنى الوضوح والأخذ بعزائم الأمور , فالمسئول الحقيقي لا يأخد بالرخص أو يبحث عنها أو يعرف بها , حتى ولو كان في الأمر نجاته أو تحقيق مصلحة ظاهرة أمام عينيه , لقد ألح تلميذ الإمام أحمد ابن حنبل على أستاذه يوم محنة الإمام في مسألة القرآن كلام الله أم مخلوق ؟ , فقال : يا إمام إنها كلمة قلها وانج بنفسك , فأخذ الإمام بيده وذهب إلى الشرفة وقال له : انظر إلى أهل بغداد جاءوا جميعا يستمعون ما أقول أأنجو بنفسي وأضل هؤلاء , وكان معهم الأقلام والأوراق ينتظرون كلمة الإمام .
والمسئول القدوة له شخصية ثابتة في كل مكان , وفي كل الأجواء , أما الزائف فهو منفصم الشخصية , تراه صارما في عمله مستهترا في بيته , شيخا بالمسجد لاهيا مع صحبه , أما القدوة فلا انفصام في شخصيته , فقد حذرنا النبي صلي الله عليه وسلم من ذلك , في صورة الرجل الذي تندلق أقتاب بطنه يوم القيامة , فيأتي إليه الناس مندهشين : يا فلان مالك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال : نعم كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه , وأنهاكم عن المنكر وأتيه .
ثانيا : مسئولية الكلمة
بكل انواع الكلمة : المقروءة والمسموعة والمكتوبة , ولن ينسي التاريخ موقف الشهيد سيد قطب , يوم أن قالوا له : كلمة تأييد وتنجو من الإعدام :
قال : ( إن أصبع السبابة التي تشهد لله بالوحدانية لتأبي أن تنحني وتكتب كلمة تأييد لطاغية ) وكم في يومنا نستخدم أصبع السبابة , في غضبنا , في كتابتنا , في تهديدنا , في حملنا للأشياء , إذا تذكرنا في هذه اللحظات : الله الذي يشهد هذا الأصبع له بالوحدانية , كانت كل أحوالنا مع الرحمن :
وما من كاتب إلا ستبقى كتابته وإن فنيت يداه
فلا تكتب بكفك غير شىء يسرك في القيامة أن تراه
ثالثا : مسئولية العهد
حقيقة العهد أنه بينك وبين الله : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) , وله ضابطان : أن يكون واضحا وأن يكون وفيا , فما فائدة عهد لا وضوح فيه ؟, وما قيمة عهد لا وفاء معه ؟ , بعد ان بايع عبادة بن الصامت رسول الله صلي الله عليه وسلم طلبه النبي قائلا : والنصح لكل مسلم , وذلك من أجل أن يكون واضحا , ويوم أن اختبر النبي وفاء الصحب الكرام لبيعتهم فطلب رأيهم فقالوا : لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون , بل نقول لك : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .
أن مسئولية بهذا المفهوم تعني : لا شك , لا إحباط , لا اعتذار , لا أعذار , لا انتكاس , لا تراجع , والعجب أن تسري الاعتذارات الواهمة والأعذار الواهية , والكلمات اليائسة , والعبارات المحبطة , ثم نفخر بمسئوليتنا وما نقدمه من أوقات ومعاناة وتعب وآلام وتضحيات , وربما اتهمنا غيرنا بالتقصير والإهمال واختلاق الأعذار ! .
http://www.rofof.com/img5/8qukix24.png
وأخيرا : انتبه يا مسئول !
من أعظم الخيانات خيانة المسئول , فقد دعا عليه رسول الله فقال : ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ) .
ومن صور الخيانة أن يحتجب المسئول فلا يري , وهو بذلك يعرض نفسه لحساب يوم القيامة يقول النبي الكريم :
( من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم , احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة ).
ومن صور الخيانة أن تكون المناصب بالمحاباة , فلا معايير ولا صفات للاختيار , فيبعد الكفء , ويتقدم الضعفاء , والخاسر الوحيد هو العمل , يقول أستاذ القادة صلي الله عليه وسلم : ( من ولي من أمر المسلمين شيئا , فأمر عليهم أحدا محاباة , فعليه لعنة الله , لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا , حتى يدخله جهنم ) .
أعاذنا الله وإياك منها , فانتبه يا مسئول , وكلنا مسئول .
انتبه يا مسئول
يفرح الكثير من الناس حينما يترقي ويصبح مسئولا , وكأن الإنسان خلق ليكون منتهاه في هذه الحياة أن يكون مسئولا , ولوعلم أن كل إنسان منا مسئول , ما زاحم ولا صارع ولا نافس ولا شاكس من أجلها فهو في الحقيقة مسئول رضي بذلك أم أبى , ( كلكم راع وكلكم مسئول عل رعيته ) بمعنى كلكم مسئول عما استرعاه الله من أي أمر , ليس بحجم الأمر ولا ضخامته ولا شكله وإنما بمسئوليته , وكلمة مسئول في اللغة على وزن مفعول , أي أن لكل مسئول سائل , وإذا كان المستوى الأعلى دائما هو السائل , فالأعلى تعالى هو سائلنا جميعا : ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) , ومن ثم استشعر ذلك خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز وهو يقرأ قوله تعالى : ( وقفوهم إنهم مسئولون ) فأخذ يكررها حتى أغشي عليه , فهلا انتبه كل مسئول لمسئوليته !!؟ .
هذا الاستشعار بالمسئولية إذن لا يحتاج إلى منصب أو مال أو وجاهة أو فهلوة أو ثقافة , وإنما إلى شعور بالله أولا , يجعل المسئول يستشعر الموقف بين يدي مولاه , فلا مسئولية بدون حساب , لأن المسئولية تكليف وتبعة , المسئولية تكليف وأثقال , ومن ظنها غير ذلك فهو على خطر عظيم , كمن يظنها شرف ينال , أو وجاهة يسعى إليها , أو سلطة لا يعيش إلا بها , هؤلاء يعرضون أنفسهم لحساب شديد , فالحساب واقع لا محالة , حيث
أن الحساب ممزوج بالمسئولية , ولا حساب بدون تكليف : ( أيحسب الانسان أن يترك سدي ) .
ولذلك وضع الاسلام للتكليف شروطا ثلاثة حتى لايحسب البعض أنها تباع وتشترى أو يستطيع البعض أن يهرب من تبعاتها ,أو يغير فيها وفق هواه ومصالحه : ( رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ , وعن الصبي حتى يحتلم , وعن المجنون حتى يعقل ) .
فالنائم فاقد للعقل , والصبي فاقد للإدراك , والمجنون فاقد للحياة , وإني لأعجب كل العجب من إنسان وهبه الله كل ذلك وهو بيده يفقد عقله او حياته أو إدراكه , بالتدخين تارة أو بالمخدرات أخرى , أو بالمسكرات والمنهيات , أو بالإفراط والتفريط في أموره , وأقرب مثال لذلك هؤلاء الأعضاء أصحاب المصالح الذين يتعمدون العيش في غيبوبة وهم يعلمون , فيصفقون إذا صفق المصفقون وهم لا يدرون , ويوافقون إن سمعوا كلمة موافقة وهم لا يدركون , ويستيقظون رافعين أيديهم على أخطر قرارات ثم ينامون , فهل رفع القلم عن هؤلاء ؟ أم سقطت عنهم المسئولية ؟ , وهل بالفعل تسقط المسئولية ؟ ومتى تسقط ؟ , وعن من تسقط ؟ .
http://www.rofof.com/img5/8qukix24.png
متى تسقط المسئولية ؟
هل نظرت إلى طفل صغير وهو ينعم بنوم عميق , أرجو أن تتفحصه لدقائق ثم امسك ورقة وقلم ودون ما تشعر به , إن شعورا عجيبا بالراحة والهدوء والسكينة ينتابك وكأنك في عالم آخر , حيث لا إدراك ولا وعي ولا عقل ولا إرادة , ومن رحمة الإسلام بأبنائه أن تسقط عليهم المسئولية في نفس حالات هذا الطفل الغائب عن الوجود : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) , أي في ثلاثة مواقف تسقط المسئولية :
1 – النسيان : الذي هو كالغيبوبة تعتري الانسان وهو مستيقظ , فلا يدري تماما ما فعل وما قال , وليس تمثيلا أو تصنعا , ولذلك حينما ضرب النبي المثل جعلها في فريضة تنسي , كالصلاة , فقال صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة له إلا بذلك ) , فما بالك بما هو دون الفريضة ! , من عهد أو قول أو فعل أو تكليف .
2 – الإكراه : حينما ظن عمار بن ياسر أنه قد هلك , لأنه سب النبي ونال منه تحت وطأة التعذيب مكرها على ذلك , قال له النبي : كيف تجد قلبك ؟ قال عمار على الفور : مطمئن بالايمان يا رسول الله , فقال له النبي موضحا الأمر ونكاية في هؤلاء الذين ينالون بالتعذيب ما يريدون : ( إن عادوا فعد ) , وفيه نزل قوله تعالى : ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان).
3 – الاضطرار : في قوله تعالى : ( فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ) , وحتي لا يقول أي إنسان كنت مضطرا لذلك , حدد الله تعالى شرطين للاضطرار : لا يكون هناك عدوان على أحد أو تجاوز للحد , وبذلك لا يجوز القول : كنت مضطرا للرشوة , أو للانتقام منه , أو تعذيبه , أو ظلمه , أو تنفيذ تعليمات , أو أو أو ….. ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا , إن تتتبعون إلا الظن , وإن أنتم إلا تخرصون ) حتى التعلل بان ما نفعله هو وقوع تحت وطأة القدر نفاه الله تعالى , فهو ظن كاذب وتعلل واه , وضحك على النفس في غباء شديد .
http://www.rofof.com/img5/8qukix24.png
لماذا المسئولية ؟
لا يتحمل أحد مسئولية غيره , كلنا يحفظها ويعلم معناها جيدا , بل ونحفظ جميعا الآيات الدالة على ذلك : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) , ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره , ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) , وبالتالي : لا يتحمل أحد مسئولية عمل غيره , حتى الطاعة التي أمر الله بها لغيره , جعلها مقيدة , بل جعل لها حدا , فقال تعالى بالنسبة للوالدين : ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) , وبالنسبة لطاعة ولي الأمر قال صلى الله عليه وسلم : ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية , فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) , وتظل المسئولية في حدود القاعدة النبوية : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .
http://www.rofof.com/img5/8qukix24.png
أنواع المسئولية
أولا : مسئولية القدوة
أول مسئولية القدوة : ( لا للمخالفة ) , وهذا العنوان الوحيد الذي تجد عنده كل مسئول حقيقي وليس الزائف , وهذا ما دلنا عليه نبي الله صالح في قوله تعالى : ( وما أريد أن أخالفكم لما أنهاكم عنه ) , فهو الميزان الدقيق أو المعيار الحساس لمعرفة المسئول .
فإذا وصلت إلى العنوان استطعت أن تتعرف على أول ملامح مسئولية القدوة : وهي في قول ابن تيمية : ( لا تقية لقدوة ) بمعنى الوضوح والأخذ بعزائم الأمور , فالمسئول الحقيقي لا يأخد بالرخص أو يبحث عنها أو يعرف بها , حتى ولو كان في الأمر نجاته أو تحقيق مصلحة ظاهرة أمام عينيه , لقد ألح تلميذ الإمام أحمد ابن حنبل على أستاذه يوم محنة الإمام في مسألة القرآن كلام الله أم مخلوق ؟ , فقال : يا إمام إنها كلمة قلها وانج بنفسك , فأخذ الإمام بيده وذهب إلى الشرفة وقال له : انظر إلى أهل بغداد جاءوا جميعا يستمعون ما أقول أأنجو بنفسي وأضل هؤلاء , وكان معهم الأقلام والأوراق ينتظرون كلمة الإمام .
والمسئول القدوة له شخصية ثابتة في كل مكان , وفي كل الأجواء , أما الزائف فهو منفصم الشخصية , تراه صارما في عمله مستهترا في بيته , شيخا بالمسجد لاهيا مع صحبه , أما القدوة فلا انفصام في شخصيته , فقد حذرنا النبي صلي الله عليه وسلم من ذلك , في صورة الرجل الذي تندلق أقتاب بطنه يوم القيامة , فيأتي إليه الناس مندهشين : يا فلان مالك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟ قال : نعم كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه , وأنهاكم عن المنكر وأتيه .
ثانيا : مسئولية الكلمة
بكل انواع الكلمة : المقروءة والمسموعة والمكتوبة , ولن ينسي التاريخ موقف الشهيد سيد قطب , يوم أن قالوا له : كلمة تأييد وتنجو من الإعدام :
قال : ( إن أصبع السبابة التي تشهد لله بالوحدانية لتأبي أن تنحني وتكتب كلمة تأييد لطاغية ) وكم في يومنا نستخدم أصبع السبابة , في غضبنا , في كتابتنا , في تهديدنا , في حملنا للأشياء , إذا تذكرنا في هذه اللحظات : الله الذي يشهد هذا الأصبع له بالوحدانية , كانت كل أحوالنا مع الرحمن :
وما من كاتب إلا ستبقى كتابته وإن فنيت يداه
فلا تكتب بكفك غير شىء يسرك في القيامة أن تراه
ثالثا : مسئولية العهد
حقيقة العهد أنه بينك وبين الله : ( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) , وله ضابطان : أن يكون واضحا وأن يكون وفيا , فما فائدة عهد لا وضوح فيه ؟, وما قيمة عهد لا وفاء معه ؟ , بعد ان بايع عبادة بن الصامت رسول الله صلي الله عليه وسلم طلبه النبي قائلا : والنصح لكل مسلم , وذلك من أجل أن يكون واضحا , ويوم أن اختبر النبي وفاء الصحب الكرام لبيعتهم فطلب رأيهم فقالوا : لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون , بل نقول لك : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون .
أن مسئولية بهذا المفهوم تعني : لا شك , لا إحباط , لا اعتذار , لا أعذار , لا انتكاس , لا تراجع , والعجب أن تسري الاعتذارات الواهمة والأعذار الواهية , والكلمات اليائسة , والعبارات المحبطة , ثم نفخر بمسئوليتنا وما نقدمه من أوقات ومعاناة وتعب وآلام وتضحيات , وربما اتهمنا غيرنا بالتقصير والإهمال واختلاق الأعذار ! .
http://www.rofof.com/img5/8qukix24.png
وأخيرا : انتبه يا مسئول !
من أعظم الخيانات خيانة المسئول , فقد دعا عليه رسول الله فقال : ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ) .
ومن صور الخيانة أن يحتجب المسئول فلا يري , وهو بذلك يعرض نفسه لحساب يوم القيامة يقول النبي الكريم :
( من ولاه الله شيئا من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم , احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة ).
ومن صور الخيانة أن تكون المناصب بالمحاباة , فلا معايير ولا صفات للاختيار , فيبعد الكفء , ويتقدم الضعفاء , والخاسر الوحيد هو العمل , يقول أستاذ القادة صلي الله عليه وسلم : ( من ولي من أمر المسلمين شيئا , فأمر عليهم أحدا محاباة , فعليه لعنة الله , لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا , حتى يدخله جهنم ) .
أعاذنا الله وإياك منها , فانتبه يا مسئول , وكلنا مسئول .