تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : محمد : غفران ذنبه


عبد العزيز عيد
01-18-2008, 10:08 PM
غفران ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر

سند ذلك قوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً) (1) ، وهذه الآية من أخريات الآيات التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم . حيث نزلت بعد فتح مكة في العام الثامن أو التاسع الهجري قبل وفاته صلى الله عليه وسلم في العام العاشر ، ونظيرها قوله تعالى " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره . إنه كان توابا " (2) وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها لرسول الله بعد أن رأته قد تورمت قدماه من طول الوقوف بين يدي الله أتفعل هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال لها " أفلا أكون عبدا شكورا (3)وقال أيضا إني استغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة
ومن ذلك علم أن الله سبحانه وتعالى جعل ذلك مكافأة له صلى الله عليه وسلم عقب فتح مكة ودخول الناس في دين الله أفواجا ، وأن هذه المكافأة ضمن فضائل أخر هي { من الله عليه بفتح مكة وتمام النعمة وهدايته الصراط المستقيم } . وأن غفران ذنبه صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من الاستغفار ولم يمنعه من الشكر . وأن الاستغفار والشكر عملان إيجابيان يؤديان بالتعبد لله والتقرب إليه ، وهو ما يؤكد ما قلناه من أن عصمته صلى الله عليه وسلم وكذا عصمة الأنبياء من قبله ليس المقصود بها عصمته من الوقوع في الذنوب وإنما حمايته من تعرض الناس له ، ومن الآيات القريبة من هذه المعاني قوله تعالى : " وثيابك فطهر " (4) فمن بعض تفسيراتها ما روي عن بن عباس قوله - أي من الإثم ومما كانت الجاهلية تجيزه -. وقال قتادة ومجاهد ونحوه الشعبي والضحاك والزهري -نفسك فطهرها من الذنب - وقيل يعني لا تغدر . لأن الرجل إذا غدر قيل دنس الثياب وقال عكرمة أي لا تلبس ثوبك على معصية .(5) ، وكان صلى الله عليه وسلم يدعو ربه فيقول " اللهم طهرني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض بالماء والثلج والبرد وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغـرب (6)
وفي سبب نزول هذه الآية يقول أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أنزلت علي آية لهي أحب إلي مما على وجه الأرض . (7) وفي تفسيرها قيل ما تقدم من ذنبك أي قبل الرسالة ، وما تأخر أي بعده ، وقيل ما قبل الوحي وما بعده ، وقيل ما تقدم من ذنبك يوم بدر ، وما تأخر من ذنبك يوم حنين
حيث قال يوم بدر " اللهم إلا تهلك هذه العصابة لن تعبد في هذه الأرض " فأنزل الله عليه الوحي يقول له " وما أدراك أني إن لم أهلك هذه الفئة لا أعبد في هذه الأرض ويوم حنين نزل قوله تعالى (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (8) ، بمقولة أن رسول الله قال " لولم أرمهم بالرمال والحصباء ما انهزموا "(9)وكلاهما ضعيف

---------------------------
(1) الفتح 2 (2) النصر (3) صحيح مسلم 2819
(4) بن حبان 926 ( 5) المدثر 4 (6) صحيح مسلم 476
(7) أسباب النزول للنيسابوري (8) الأنفال 17
(9) انظر تفسير القرطبي لقوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا

عبد العزيز عيد
01-18-2008, 10:11 PM
ذنوب الأنبياء :

وما نراه أنه إذا اتفقنا أن الذنوب تتفاوت بين البشر كما تتفاوت بينهم الأعمال الصالحات ، حيث أن أقلهم ذنبا الأنبياء ثم الأولياء ثم الأقل فالأقل ، كما تتفاوت هذه الذنوب في الكم والكيف ، وأن ذنوب البشر مصدرها الهوى والدنيا والشيطان والنفس الأمارة بالسوء ووهن الإرادة وقلة العزيمة وضعف الإيمان ، مجتمعة هذه المصادر أو على انفراد ، وأن ذنوب الأنبياء مصدرها الدعوة إلى الله والجهاد في ذلك ، ويمكن القول أن ذنوب الأنبياء عليهم السلام وأخصهم محمد عليه الصلاة والسلام مصدرها اجتهادهم في البلاغ وتعلقها بالنبوة والرسالة ، كإجهاده نفسه صلى الله عليه وسلم في الدعوة وإسرافه في تمني اهتداء قومه جميعا حتى قال له ربه : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(1) ، وجاءه بعض اليهود يسألونه عن بعض الأمور فوعدهم بالإجابة دون أن يستثني . فأنزل الله قوله "وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيت)(2)
ومنع نفسه عن العسل عندما أوهمته بعض زوجاته أن رائحة كريهة تنبعث من فمه . فأنزل الله قوله يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(3) وما هذه الذنوب بذنوب في عرف البشر ، بل هي حسنات لهم وقربات إلى الله , فلو أجهد امرؤ نفسه في الدعوة إلى الله وأسرف في ذلك وبالغ ، نال الأجر والثواب كلما اجتهد وكلما أسرف وتعب ، ولو نسي المشيئة فخطأه مرفوع عنه لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " (4) ، لذا قيل " حسنات الأبرار سيئات المقربين " .
وما ارتكب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قبل الوحي ولا بعده ، ولا قبل فتح مكة ولا بعدها ، ولا يوم بدر ولا يوم حنين ، ذنوبا دنيوية أو بشرية -إن صح أحد هذين التعبيرين- ، إنما كانت ذنوبه من قبيل الذنوب الدينية أو النبوية -إن صح أيضا أحد هذين التعبيرين- ، ورغم ذلك أعلن الله صراحة غفرانها له ما تقدم منها وما تأخر ليلقاه طاهرا مطهرا من كل ذنب أيا كان نوعه وأيا كان سببه وأيا كان قدره وأيا كان عدده . ولم يثبت في أي مصدر أن ذلك كان لنبي قبله ، ولم يعد الله نبي من الأنبياء بمثل هذا الوعد ، وحديث الشفاعة الكبرى الذي قر فيه أكابر الأنبياء ببعض ذنوبهم معروف .

----------------
(1) القصص 56 (2) الكهف من الآية 24
(3) التحريم (4) بن حبان 7218

ذواق ومشتاق...
01-18-2008, 10:13 PM
مشكور علي هالموضوع وجزاك الله خيرا....

ميسي مارادونا
01-19-2008, 01:11 AM
بارك الله فيك .. وسدد خطاك .. معلومات سليمه ودقيقه ومفيده جدا

ولكن استاذي لم لا تكلل هذا الجهد بطرح كتابك الخاص في السيرة النبويه .؟؟

تحيتي