المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكايـا غ ـربتي ..


حميد سلفر
03-11-2008, 01:49 PM
تكتب الرسالة بـ حنينٍ ودموع..
يختلط الحبر بـ بعضه.. ثم تعيد كتابة الرسالة في كل مرة !
تُغلّفها بـ عناية..
تطبع على الظرف قبْلة بـ لهفة كأنها تطبعها على جبيني !
تضعها في صندوق الرسائل.. وتنسى كتابة العنوان عليها من فرْط شوقها..
فـ لا يصل الشوق. . ولا تصل الرسالة !!!!!!!!

( هذه أمي يا أحباب )

.....

يخرج كل يومٍ من منزله.. ويقف على عتبة الباب..
يُتمتم.. " لعلّ الوطن يفتح ذراعيه لاحتوائه أخيراً"
تشرق شمسٌ وتغيب..
تندثر خيوط النور تحت وشاح الليل..
وتختنق التمتمة بداخله..
ولازال الوطن غير قادر على احتواء ابنه !!!!!!!

( وهذا أبي )

.....


انقضى عامه الواحد والعشرون.. ولازال يُهدّئ من تضخّم أسئلته الثكلى بداخله
بـ إجابةٍ عقيمة " لـ الغائب عذر"!
تلك العبارة التي سمعها من والدته منذ أن بلغ عامه السابع..
وحفظها عن ظهر قلب!
ردّدها لـ عقله كثيراً.. ولـ أوراق مذكراته.. ولـ أحلام الانتماء إلى " حضن الوالد"!
حتى بات شكّه بها يقيناً.. ولعْثمتُه بها إدماناً !!!

( أما هذا فهو أنا والعياذ باالله من كلمة أنا )

....

تخرج إلى الحارة.. وتلتقط صوراً لـ الأماكن التي لعِبنا فيها سويّاً حين كانا صِغاراً..
تُصوّر خربشاتي على جدران المنزل..
والشارع الذي كانا نلعب فيه مع أصدقائنا ،،
تصور غرفتي في المنزل.. وكيف أن حالها لم يتغيّر منذ أن رحلتُ عنها ،،
تُصوّر الكثير لـ تُجسّد لي ذكرياتي على ورق بلاستيك !!
ترسل الصور بـ فرحة وشوق..
تصل إلي..
أشاهدها. أضحك . أقهقه عالياً .
أمزقها وأبعثرها في لـ الهواء
فـ الغربه تجعلني اتنكر لـ الكثير!!!!

( وهذه أختي )

.....

كلما خرج بـ رفْقة أبنائه.. تجوّل بهم في أرجاء حارته التي يقطنها منذ ثلاثون عاماً..
يبتسم طويلاً.. ثم يقول:
هنا كان منزل عمّكم "..." وقد غادر الحارة قبل خمسة أعوام
وهنا منزل"..." غادرنا هو الآخر منذ عشرة..لا لا بل اثنا عشر عاماً!
وهنا....
وهنا...
وهنا... ومنذ ذلك الحين لم أسمع عن أحدهم خبراً!
يتذمّر أبنائه من حكاياتٍ هيَ من منظورهم لا جدوى من الاستماع إليها
لكنه لا ينفك من سردها عليهم
فـ تلك الذكريات هيَ أشبه بـ قوت يُغّذي بها ماتبقى من أيام عمره !!!

(جاري)

.....

في نهاية كل شهريقتربون من خزانتهم بـ تردّد ..يفتحونها بحنين مبكي..
ينفضون الغبار عن الصندوق الذي بداخلها....
ذاك الصندوق الذي يحْوي أجمل أيام العمر وأشدها نقاءً..
وقد امتلأ بـ ضحكاتنا .. وشغبنا.. وبكائنا.. وبعثرة أقلامنا..
يحتضنونه بـ شدة إلى حدّ أنهم لا يقون على فتْحه..
يعيدونه إلى حيث كان ويغلقون دونه باب الخزانة
يسندون رأوسهم بـ تثاقلٍ على الجدار... ويدخلون في متاهات البكاء
ويتمتمون : " الشهر القادم سنكون أكثر قوة" !!!!!!

( أنهم أصدقائي )


.......................

خارج الايطار /

كل الغربة حكايا..

وبـ ع ــض الحكايا غربة !!