طمطم22
06-25-2007, 11:46 AM
كل شيء.. إلي حد ما!
بقلم: أنيس منصور
http://shabab.ahram.org.eg/Ahram/2002/12/1/anees.jpg
أنت عاقل.. ولاشك.. أنت تفكر وتدبر.. وتحسب حساب الغد وبعد الغد.. وتمشي علي رجليك.. وعلي الجانب الأيمن من الشارع, وحتي لو مشيت علي الجانب الأيسر, فأنت تعرف خطورة عبور الشارع.. عاقل... وأنت تقرأ وتكتب وتقول: إن هذا يعجبك, وهذا لايعجبك, عندك أسباب لكل شيء.. واذا اردت شيئا فأنت لاتخطفه بالقوة, وإنما تفكر في وسيلة للحصول عليه.. بالقانون, أي بالعقل.. بالذوق أي بالعقل.. أو بالحيلة أي بالعقل... كل شيء يدل علي انك عاقل!
ولكنك تظل تمشي بالساعات في الشوارع بلا هدف واذا توقفت عند احد المحال التجارية.. فانك تلمح فتاة... الفتاة في أصبعها دبلة... وصاحب الدبلة ممسك بذراعها الأخري.. وأنت تمشي وراء الاثنين.
واذا رأيت العين الحمراء من هذا الزوج... فانك تتجه إلي فتاة أخري.. فإذا جاءت اشارة المرور ومنعتك من اللحاق بها, فإنك تقف في طابور طويل أمام باب السينما.. وكلما اقتربت من نافذة التذاكر, عدت إلي آخر الطابور.. ثم تدخل السينما وتنام... مع انك عاقل!!
ولكن هذه الأفعال لاتدل علي أن العقل الذي كنت تفكر به وأنت تعبر الشارع كالبهلوان بين السيارات, قد تعطل أو سقط منك... فأنت عاقل ولاشك... ولكنك عاقل إلي حد ما... تدري ماذا تفعل ولكن إلي حد ما..
أنت ولاشك تحب زوجتك... وأنت لم تضيع وقتك في الشوارع هكذا إلا لأنها قد سافرت إلي أهلها في الريف, وأنت تحبها جدا... فيوم مرضت في الأسبوع الماضي كنت تجلس إلي جوار سريرها.. مع ان مرضها عادي جدا.. ولكنها العشرة الطويلة.. الحب القديم الذي ولد معكما وانتما صغيران...... إنها ابنة عمك... أو أكثر من ابنة عمك.. انك تحس انها اختك.. أو تماما كأختك.. وهذا مايضايق زوجتك.. ومايضايقك أنت.. فأنت تثور علي نفسك وعلي حبك البارد الجامد الذي يشتعل بالنار كلما رأي فتاة في الشارع... أو حتي كلما رأي خادمه تنشر الغسيل.. ولكن هذا القلب يصبح كالقطار عندما يقترب من المحطة, وعندما يقترب من زوجتك... دقاته منظمة كأنك نائم, هادئه كأنك طفل.. أو كأن أحدا ليس معك... أو كأنك أمام أختك أو والدتك... فإذا بك تلعن الأيام التي كانت فيها بيوت العائلات تتجاور... والأطفال يلعبون في الشارع لعبة العريس والعروس.... فهي عروسك منذ طفولتك..
فأنت تحبها.. وتلعنها.. وتثور عليها.
اذن فأنت تحبها إلي حد ما.. وهي أيضا تحبك إلي حد ما...
وعندما تهرب من البيت إلي المكتب.. يصبح الأتوبيس كسفينة الحجاج.. وكأنك في طريقك إلي مكان مقدس.... كل شيء هناك مليء بالناس والأوراق.. والسعاه يقفون منزعجين عند رؤيتك.. كأنهم كان لابد ان ينتبهوا لمجيئك منذ خرجت من البيت.. كأنهم فوجئوا بتشريفك الذي يحدث كل يوم وفي هذه الساعة المبكرة.. وأنت سعيد بهذا الاستقبال الكاذب.. وتجلس علي مكتبك وتشم رائحة التراب, ورائحة الورق والسجائر الخامدة والشمس الكسول وهي تكدس الذباب حولك.. ولكنك لاتهتم بهذا كله, وتمد يدك الي ورقة ملفوفه أمامك وتلتهم سندويتش فول وطعمية. مع أنك رفضت ان تذوق هذا الفول في البيت.. فأنت تحب عملك... وتحب مكتبك وتراب مكتبك والسعاة الواقفين علي باب مكتبك, ووراء باب مكتبك تجلس أنت تطلب من الله أن يريحك من بيتك, كل من في بيتك.
ولكن حبك لهذا المكتب ومافيه من تراب وورق وذباب وسعاه وساندويتشات ليس حبا ثابتا.. إنه إلي حد ما..
فمنذ علمت ان دورك في الترقية لم يأت بعد.. ماذا فعلت.. لم تجلس علي مكتبك, لم تمسك ورقة, لم ترفع عينيك في مواطن جاء إليك, لم تهتم بساع واحد وقف لك.. اتجهت إلي بيتك... ونزعت ملابسك.. وفي البلكونة رحت تملأ صدرك بالهواء... وكانت زوجتك سعيدة بعودتك.. ولم تشأ ان تسألك.. فقد كان ذلك اليوم هو يوم الخميس... ليلة الجمعة.
فأنت تحب مكتبك إلي حد ما.. وتكره بيتك إلي حد ما.
ولكنك مع ذلك لست ساخطا تماما.... وإنما إلي حد ما! ففي كثير من الاحيان يري الناس السعادة علي وجهك.. أنت الآن في الأربعين.. وليس علي وجهك علامة واحدة.. لاتوجد تجاعيد حول عينيك ولافي جبهتك.. وبشرتك متوردة.. وعيناك لامعتان وابتسامتك مجلجلة.. ولاتزال أسنانك سليمة أغلبها.. علي الأقل لم تضع طاقما بعد.. فأعصابك هادئة.. أو مستريحة.. ولكن هذا الهدوء إلي حد ما أيضا.
ففي بعض الأحيان عندما تمشي في الزمالك.... وتري سيارة فخمة فإنك تتطلع إليها.. إلي رقمها.. كأنك تعرف أحدا يملك مثل هذه السيارة... أو كأنك تمارس هواية الفقراء. وهي حفظ ماركات السيارات... وتنتقل من آخر الشارع إلي حيث تقف السيارة.. وكأي طفل صغير تلمس السيارة بيدك.. ثم تضغط عليها بأظافرك.. كأنك تريد أن تشوهها.. أن تحطمها.. أن تحطم ولو جزءا صغيرا منها.. فأنت اذن ساخط إلي حد ما.. وأنت حاقد إلي حد ما..
وعندما تجد إلي جوار السيارة شيخا يتسول.. فإن يدك تسرع إلي جيبك ولاتجد فكه.. فتعطيه الخمسين قرشا التي رفضت ان تعطيه لأحد ابنائك في الصباح.
فأنت اذن تحب ابناءك إلي حد ما.. وانت لست ساخطا علي كل الناس... وإنما علي أصحاب السيارات الفخمة, إلي حد الخربشة أي إلي حد ما..
وأنت مؤمن بالله.. ومؤمن بقضائه.. وقدره.. وكثيرا ماتردد: ان الخير هو مااختاره الله.. وكثيرا ماتردد: لو اطلعتم علي الغيب لاخترتم الواقع.. وكثيرا ماتقول: الجنة تحت أقدام الأمهات.. لاشك أنت مؤمن.. وانت تصلي معظم الأحيان.. وأنت تصوم في غالب الأحيان وأنت تزور قبر والديك.. وتترحم عليهما.. وقد رآك بعض الناس وأنت تبكي.. وفي الحقيقة أنت بكيت عندما تذكرت كيف كانت حياة والديك.. وانك وعدت الله ألاتكرر حياة والديك.. والا تكرر نفس العذاب, فتكون أبا كوالدك, وتكون لك زوجة كأمك, ويكون هناك أولاد مثلك.. ويكفرون بالأبوه والأمومة, والحياة العائلية لقد وعدت بهذا كله.. ومع ذلك تزوجت.. فأنت تحب والديك إلي حد ما... وأنت تكره اسرتك إلي حد ما... ولكن هذا الحد ما قد زاد... وكل يوم يزداد.. والنار تشتعل بينك وبين زوجتك... وأولادك يتفرجون تماما كما كان يحدث بين والدتك وأبيك.. وكنت تحتار أيهما علي حق.. هذا ابوك.. وهو طيب ومسكين ومريض وهذه أمك وهي مريضة ساذجة وهي مكافحة أيضا... انهما يتضاربان بكلام كالرصاص, وبنظرات كالنار, وبدموع تغلي.. والفقر يفتك بهما وبك وأخوتك, والمرض يهلك الأب ويحطم الأم وكل يوم تشتعل النار, وكل يوم تسقط الأم علي الأرض, وإلي جوارها يسقط الأب... وفي ذلك اليوم حملت الاثنين إلي الفراش.. وعلي مقعد إلي جوارهما جلست وارتفع صوت يعلن طلوع النهار, وارتفعت مع صوته يداك تقول: يارب إلا هذه الحياة.. أي شيء إلا أن اكون أبا.. أي شيء يارب!!
واختار الله لك ان تكون أبا... وضقت ـ استغفر الله ـ بمشيئة الله.. وربما كان هذا هو السبب في انك لاتصلي دائما ولاتصوم غالبا..
فأنت مؤمن إلي حد ما.. مستسلم لارادة السماء إلي حد ما..
وأنت رجل. طبعا ليس من الضروري ان يكون كل أب رجلا. ولا كل زوج رجلا. ولكنك رجل إلي حد ما.. فالرجولة مائة في المائة غير موجوده.. والأنوثة مائة في المائة لاوجود لها.. ولكن نسبة الرجولة فيك عاليه.. فمعني ذلك انك رجل إلي حد ما.. وانثي إلي حد ما.. فأنت تحمل مسئولياتك بلا شكوي.. إلي الله.. والشكوي لله, ليست شكوي..فهذا طبيعي ان يشكو المؤمن لربه كذلك ولكنك لاتشكو في نهاية الشهر.. ولاتشكو وأنت تعاون بنات خالتك ولاتشكو وأنت تدفع أموالا.. وان كانت ضئيلة ـ إلي أبناء اخوتك.. ان زوجتك لاتعرف شيئا من هذا كله.. وأنت لاتشكو.. فالأموال تنزل من بين أصابعك.. كعرق جبينك.. قليلة ولكنها تتساقط.. وأنت رجل لأنك تضحي بالكثير من أجل غيرك.. ان زوجتك مريضة منذ سنوات.. وكان في وسعك ان تتزوج غيرها وهي التي طلبت منك ذلك.. ولكنك لم تفعل.. ان كراهيتك لابنة عمك وزوجتك أم أولادك, إلي حد ما.. وهذه رجولة.. فأنت رجل ولاشك, ولكنك رجل إلي حد ما..
فأنت تقف امام المرآة طويلا.. وأنت اشتريت صبغة سوداء للشعرات البيضاء التي ظهرت علي جانبي الرأس.. وعندك فرشاة لتنظيف أظافرك... والوان كرافتاتك فاقعة... لاتتناسب مع سنك ولامركزك.. واستخدام العطور والبريانتين, واستخدام البودرة باسراف في عنقك وصدرك.. والخادمة قد اكدت لزوجتك التي لاتصدق إنك وقفت عاريا ورحت تغرق نفسك بالبودرة... لاأحد يصدق.. ولكنه حدث.. مع انه لاتوجد في حياتك امرأة أخري.. ولكن المرأة التي في حياتك, هي الأنثي التي في شخصية كل رجل... والتي تظهر فيه عادة عند الأربعين... فأنت أنثي إلي حد ما.. ورجل إلي حد ما..
وأنت صبور أيضا..
والا ماوصلت إلي هذا المكان من كلامي.. وأنت يسهل خداعك أيضا.. فأنت تصورت انك ستصل إلي شيء من هذا الكلام... وان كنت قد لاحظت انك كنت تقفز فوق السطور.. ولاتعبر علي السطر من أوله إلي آخره.. ولذلك فأنا أري انك صبورإلي حد ما.. وأنت أيضا لايسهل خداعك فأنت منذ السطور الأولي ادركت انك لن تصل إلي شيء, وإنما الذي دفعك إلي قراءة كلامي هذا هو العادة.. فقد تعودت مني أن أقول لك كلاما له معني.. له أول وله آخر.. وأنا خذلتك هذه المرة..
الحقيقة انني لم أخذلك تماما, إنما إلي حد ما... فكل شيء في الدنيا هو إلي حد ما..لاصدق.. لاكذب.. ولاحب.. ولاكره.. ولاايمان ولاكفر... ولاحياة ولاموت... ولانهاية ولابداية.. إنما كل شيء إلي حد ما..
بقلم: أنيس منصور
http://shabab.ahram.org.eg/Ahram/2002/12/1/anees.jpg
أنت عاقل.. ولاشك.. أنت تفكر وتدبر.. وتحسب حساب الغد وبعد الغد.. وتمشي علي رجليك.. وعلي الجانب الأيمن من الشارع, وحتي لو مشيت علي الجانب الأيسر, فأنت تعرف خطورة عبور الشارع.. عاقل... وأنت تقرأ وتكتب وتقول: إن هذا يعجبك, وهذا لايعجبك, عندك أسباب لكل شيء.. واذا اردت شيئا فأنت لاتخطفه بالقوة, وإنما تفكر في وسيلة للحصول عليه.. بالقانون, أي بالعقل.. بالذوق أي بالعقل.. أو بالحيلة أي بالعقل... كل شيء يدل علي انك عاقل!
ولكنك تظل تمشي بالساعات في الشوارع بلا هدف واذا توقفت عند احد المحال التجارية.. فانك تلمح فتاة... الفتاة في أصبعها دبلة... وصاحب الدبلة ممسك بذراعها الأخري.. وأنت تمشي وراء الاثنين.
واذا رأيت العين الحمراء من هذا الزوج... فانك تتجه إلي فتاة أخري.. فإذا جاءت اشارة المرور ومنعتك من اللحاق بها, فإنك تقف في طابور طويل أمام باب السينما.. وكلما اقتربت من نافذة التذاكر, عدت إلي آخر الطابور.. ثم تدخل السينما وتنام... مع انك عاقل!!
ولكن هذه الأفعال لاتدل علي أن العقل الذي كنت تفكر به وأنت تعبر الشارع كالبهلوان بين السيارات, قد تعطل أو سقط منك... فأنت عاقل ولاشك... ولكنك عاقل إلي حد ما... تدري ماذا تفعل ولكن إلي حد ما..
أنت ولاشك تحب زوجتك... وأنت لم تضيع وقتك في الشوارع هكذا إلا لأنها قد سافرت إلي أهلها في الريف, وأنت تحبها جدا... فيوم مرضت في الأسبوع الماضي كنت تجلس إلي جوار سريرها.. مع ان مرضها عادي جدا.. ولكنها العشرة الطويلة.. الحب القديم الذي ولد معكما وانتما صغيران...... إنها ابنة عمك... أو أكثر من ابنة عمك.. انك تحس انها اختك.. أو تماما كأختك.. وهذا مايضايق زوجتك.. ومايضايقك أنت.. فأنت تثور علي نفسك وعلي حبك البارد الجامد الذي يشتعل بالنار كلما رأي فتاة في الشارع... أو حتي كلما رأي خادمه تنشر الغسيل.. ولكن هذا القلب يصبح كالقطار عندما يقترب من المحطة, وعندما يقترب من زوجتك... دقاته منظمة كأنك نائم, هادئه كأنك طفل.. أو كأن أحدا ليس معك... أو كأنك أمام أختك أو والدتك... فإذا بك تلعن الأيام التي كانت فيها بيوت العائلات تتجاور... والأطفال يلعبون في الشارع لعبة العريس والعروس.... فهي عروسك منذ طفولتك..
فأنت تحبها.. وتلعنها.. وتثور عليها.
اذن فأنت تحبها إلي حد ما.. وهي أيضا تحبك إلي حد ما...
وعندما تهرب من البيت إلي المكتب.. يصبح الأتوبيس كسفينة الحجاج.. وكأنك في طريقك إلي مكان مقدس.... كل شيء هناك مليء بالناس والأوراق.. والسعاه يقفون منزعجين عند رؤيتك.. كأنهم كان لابد ان ينتبهوا لمجيئك منذ خرجت من البيت.. كأنهم فوجئوا بتشريفك الذي يحدث كل يوم وفي هذه الساعة المبكرة.. وأنت سعيد بهذا الاستقبال الكاذب.. وتجلس علي مكتبك وتشم رائحة التراب, ورائحة الورق والسجائر الخامدة والشمس الكسول وهي تكدس الذباب حولك.. ولكنك لاتهتم بهذا كله, وتمد يدك الي ورقة ملفوفه أمامك وتلتهم سندويتش فول وطعمية. مع أنك رفضت ان تذوق هذا الفول في البيت.. فأنت تحب عملك... وتحب مكتبك وتراب مكتبك والسعاة الواقفين علي باب مكتبك, ووراء باب مكتبك تجلس أنت تطلب من الله أن يريحك من بيتك, كل من في بيتك.
ولكن حبك لهذا المكتب ومافيه من تراب وورق وذباب وسعاه وساندويتشات ليس حبا ثابتا.. إنه إلي حد ما..
فمنذ علمت ان دورك في الترقية لم يأت بعد.. ماذا فعلت.. لم تجلس علي مكتبك, لم تمسك ورقة, لم ترفع عينيك في مواطن جاء إليك, لم تهتم بساع واحد وقف لك.. اتجهت إلي بيتك... ونزعت ملابسك.. وفي البلكونة رحت تملأ صدرك بالهواء... وكانت زوجتك سعيدة بعودتك.. ولم تشأ ان تسألك.. فقد كان ذلك اليوم هو يوم الخميس... ليلة الجمعة.
فأنت تحب مكتبك إلي حد ما.. وتكره بيتك إلي حد ما.
ولكنك مع ذلك لست ساخطا تماما.... وإنما إلي حد ما! ففي كثير من الاحيان يري الناس السعادة علي وجهك.. أنت الآن في الأربعين.. وليس علي وجهك علامة واحدة.. لاتوجد تجاعيد حول عينيك ولافي جبهتك.. وبشرتك متوردة.. وعيناك لامعتان وابتسامتك مجلجلة.. ولاتزال أسنانك سليمة أغلبها.. علي الأقل لم تضع طاقما بعد.. فأعصابك هادئة.. أو مستريحة.. ولكن هذا الهدوء إلي حد ما أيضا.
ففي بعض الأحيان عندما تمشي في الزمالك.... وتري سيارة فخمة فإنك تتطلع إليها.. إلي رقمها.. كأنك تعرف أحدا يملك مثل هذه السيارة... أو كأنك تمارس هواية الفقراء. وهي حفظ ماركات السيارات... وتنتقل من آخر الشارع إلي حيث تقف السيارة.. وكأي طفل صغير تلمس السيارة بيدك.. ثم تضغط عليها بأظافرك.. كأنك تريد أن تشوهها.. أن تحطمها.. أن تحطم ولو جزءا صغيرا منها.. فأنت اذن ساخط إلي حد ما.. وأنت حاقد إلي حد ما..
وعندما تجد إلي جوار السيارة شيخا يتسول.. فإن يدك تسرع إلي جيبك ولاتجد فكه.. فتعطيه الخمسين قرشا التي رفضت ان تعطيه لأحد ابنائك في الصباح.
فأنت اذن تحب ابناءك إلي حد ما.. وانت لست ساخطا علي كل الناس... وإنما علي أصحاب السيارات الفخمة, إلي حد الخربشة أي إلي حد ما..
وأنت مؤمن بالله.. ومؤمن بقضائه.. وقدره.. وكثيرا ماتردد: ان الخير هو مااختاره الله.. وكثيرا ماتردد: لو اطلعتم علي الغيب لاخترتم الواقع.. وكثيرا ماتقول: الجنة تحت أقدام الأمهات.. لاشك أنت مؤمن.. وانت تصلي معظم الأحيان.. وأنت تصوم في غالب الأحيان وأنت تزور قبر والديك.. وتترحم عليهما.. وقد رآك بعض الناس وأنت تبكي.. وفي الحقيقة أنت بكيت عندما تذكرت كيف كانت حياة والديك.. وانك وعدت الله ألاتكرر حياة والديك.. والا تكرر نفس العذاب, فتكون أبا كوالدك, وتكون لك زوجة كأمك, ويكون هناك أولاد مثلك.. ويكفرون بالأبوه والأمومة, والحياة العائلية لقد وعدت بهذا كله.. ومع ذلك تزوجت.. فأنت تحب والديك إلي حد ما... وأنت تكره اسرتك إلي حد ما... ولكن هذا الحد ما قد زاد... وكل يوم يزداد.. والنار تشتعل بينك وبين زوجتك... وأولادك يتفرجون تماما كما كان يحدث بين والدتك وأبيك.. وكنت تحتار أيهما علي حق.. هذا ابوك.. وهو طيب ومسكين ومريض وهذه أمك وهي مريضة ساذجة وهي مكافحة أيضا... انهما يتضاربان بكلام كالرصاص, وبنظرات كالنار, وبدموع تغلي.. والفقر يفتك بهما وبك وأخوتك, والمرض يهلك الأب ويحطم الأم وكل يوم تشتعل النار, وكل يوم تسقط الأم علي الأرض, وإلي جوارها يسقط الأب... وفي ذلك اليوم حملت الاثنين إلي الفراش.. وعلي مقعد إلي جوارهما جلست وارتفع صوت يعلن طلوع النهار, وارتفعت مع صوته يداك تقول: يارب إلا هذه الحياة.. أي شيء إلا أن اكون أبا.. أي شيء يارب!!
واختار الله لك ان تكون أبا... وضقت ـ استغفر الله ـ بمشيئة الله.. وربما كان هذا هو السبب في انك لاتصلي دائما ولاتصوم غالبا..
فأنت مؤمن إلي حد ما.. مستسلم لارادة السماء إلي حد ما..
وأنت رجل. طبعا ليس من الضروري ان يكون كل أب رجلا. ولا كل زوج رجلا. ولكنك رجل إلي حد ما.. فالرجولة مائة في المائة غير موجوده.. والأنوثة مائة في المائة لاوجود لها.. ولكن نسبة الرجولة فيك عاليه.. فمعني ذلك انك رجل إلي حد ما.. وانثي إلي حد ما.. فأنت تحمل مسئولياتك بلا شكوي.. إلي الله.. والشكوي لله, ليست شكوي..فهذا طبيعي ان يشكو المؤمن لربه كذلك ولكنك لاتشكو في نهاية الشهر.. ولاتشكو وأنت تعاون بنات خالتك ولاتشكو وأنت تدفع أموالا.. وان كانت ضئيلة ـ إلي أبناء اخوتك.. ان زوجتك لاتعرف شيئا من هذا كله.. وأنت لاتشكو.. فالأموال تنزل من بين أصابعك.. كعرق جبينك.. قليلة ولكنها تتساقط.. وأنت رجل لأنك تضحي بالكثير من أجل غيرك.. ان زوجتك مريضة منذ سنوات.. وكان في وسعك ان تتزوج غيرها وهي التي طلبت منك ذلك.. ولكنك لم تفعل.. ان كراهيتك لابنة عمك وزوجتك أم أولادك, إلي حد ما.. وهذه رجولة.. فأنت رجل ولاشك, ولكنك رجل إلي حد ما..
فأنت تقف امام المرآة طويلا.. وأنت اشتريت صبغة سوداء للشعرات البيضاء التي ظهرت علي جانبي الرأس.. وعندك فرشاة لتنظيف أظافرك... والوان كرافتاتك فاقعة... لاتتناسب مع سنك ولامركزك.. واستخدام العطور والبريانتين, واستخدام البودرة باسراف في عنقك وصدرك.. والخادمة قد اكدت لزوجتك التي لاتصدق إنك وقفت عاريا ورحت تغرق نفسك بالبودرة... لاأحد يصدق.. ولكنه حدث.. مع انه لاتوجد في حياتك امرأة أخري.. ولكن المرأة التي في حياتك, هي الأنثي التي في شخصية كل رجل... والتي تظهر فيه عادة عند الأربعين... فأنت أنثي إلي حد ما.. ورجل إلي حد ما..
وأنت صبور أيضا..
والا ماوصلت إلي هذا المكان من كلامي.. وأنت يسهل خداعك أيضا.. فأنت تصورت انك ستصل إلي شيء من هذا الكلام... وان كنت قد لاحظت انك كنت تقفز فوق السطور.. ولاتعبر علي السطر من أوله إلي آخره.. ولذلك فأنا أري انك صبورإلي حد ما.. وأنت أيضا لايسهل خداعك فأنت منذ السطور الأولي ادركت انك لن تصل إلي شيء, وإنما الذي دفعك إلي قراءة كلامي هذا هو العادة.. فقد تعودت مني أن أقول لك كلاما له معني.. له أول وله آخر.. وأنا خذلتك هذه المرة..
الحقيقة انني لم أخذلك تماما, إنما إلي حد ما... فكل شيء في الدنيا هو إلي حد ما..لاصدق.. لاكذب.. ولاحب.. ولاكره.. ولاايمان ولاكفر... ولاحياة ولاموت... ولانهاية ولابداية.. إنما كل شيء إلي حد ما..