المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا يكرهوننا .. احمد رجب


طمطم22
06-25-2007, 09:38 AM
لمــــــــــاذا يكرهـــــــــوننـــــــــا ؟‏!‏
بقلم‏:‏ أنيس منصور

http://shabab.ahram.org.eg/Ahram/2003/3/1/anees.jpg
العالم كله يتفرج علي عجائب الصناعات اليابانية ويريد أن يفهم‏..‏ أو أن يعرف سر هذه العظمة العلمية والصناعية‏..‏ ولكن اليابانيين يضحكون دائما ولا يقولون شيئا‏..‏ ويكون هذا السكوت دافعا قويا لأن يحاول العالم أن يفك طلاسم التقدم العلمي الباهر لشعب في المائة سنة الماضية‏..‏
فما هي المعجزة اليابانية؟

بالضبط‏:‏ ماهذا الذي حققته اليابان أو المانيا الآسيوية؟

كيف أن شعبا بدأ تطوره وحركة تنويره معنا ـ نحن المصريين ـ ثم هو يتقدمنا وغيرنا من شعوب العالم مئات السنين‏..‏ كيف فعلها؟ ولايزال يتقدم الشعوب الأوروبية والأمريكية‏..‏ إن اليابانيين لايقولون شيئا‏,‏ ولايعترضون علي أي شيء يقال عنهم‏..‏

يقال‏:‏ إن المعجزة اليابانية‏:‏ هي الصبر‏...‏

ويقال‏:‏ إنها التماسك العائلي‏..‏ فالشركة أو المصنع هو عائلة يعيش فيها كل واحد ويموت ولايخرج منها ولايخرج عنها فالعامل الذي يعمل في إحدي الشركات‏,‏ لم يحدث أن تركها أو فصلوه منها‏..‏ واذا حدث فإنه لايذهب مطلقا إلي شركة منافسة‏..‏ ولم يحدث أيضا أن قبلت شركة منافسة عاملا أو مهندسا كان يعمل في شركة أخري‏..‏ فهو ـ إذن‏-‏ يولد ويعيش ويموت في شركة واحدة‏,‏ هي التي تعلمه وتزوجه وتعالجه وتزوج أولاده وأحفاده‏..‏

ولايستطيع أي إنسان في العالم أن يكون له مثل هذا السلوك الياباني‏.‏ ولايطيق أحد هذه التبعيه المطلقة لشركة أو لمصنع‏..‏ ولكنهم في اليابان يقبلون ذلك ولايرون غيره‏..‏

فهل هذا هو سر العظمة اليابانية؟ ماسر الشعب الذي مسح به الحلفاء الأرض وما تحت الأرض فقام جبارا قويا عنيفا‏..‏ أعظم وأروع من الروس والأمريكان والانجليز والفرنسيين الذين احتلوه وأهانوه وأذلوه‏!!‏

لقد اجتمع أربعة آلاف استاذ في علم النفس الاجتماعي والصناعي والتفتوا إلي الدنيا من حولهم واتخذوا قرارا‏..‏ القرار أن العالم كله يكره الشعب الياباني‏..‏ هذه حقيقة‏,‏ يعجب بهم ولكن لايحبهم‏..‏ السؤال‏:‏ لماذا يكرهنا العالم كله؟

هذه هي القضية التي التف حولها كل أساتذه علم النفس والاجتماع وخبراء الصناعة والزراعة والتجارة والاعلام‏..‏
والمطلوب هو معرفة‏:‏ لماذا؟‏!‏

يتساءلون هل لهذه الكراهية مايبررها؟‏..‏ وهل يستطيع الشعب الياباني الذي أكد عبقريته في إبهار الناس وغزو الأسواق وخراب بيوت كثير من المصانع المنافسة لليابان‏..‏ هل هذا الشعب يستطيع أن يكون عبقريا في محبة الناس ـ أي في جعل الناس يحبونه؟

هل تستطيع اليابان أن تخلق لها حبا في العالم؟ هل يمكن‏(‏ تخليق‏)‏ الحب؟ هل يمكن تصنيع الحب لكل ماهو ياباني؟
وكم يتكلف الحب؟

أما الكراهية فقد كلفت الشعب الياباني عرقا ودموعا ودما وموتا مائة عام وزيادة‏..‏ فهل اليابان في حاجة إلي مائة سنة أخري لكي يكون حبها عالميا‏,‏ كما أن الاعجاب بها عالمي أيضا؟‏!‏

‏***‏

فاليابان أرضه ضيقة وأهله كثيرون‏..‏ وليست في بلاد اليابان موارد طبيعية‏..‏ ربما كان ماء المحيطات‏,‏ وقد استخرجوا منه السمك واللؤلؤ‏..‏ أما اللؤلؤ فقد اخترعوا له حلا سريعا لنموه‏..‏ فبدلا من أن ينتظروا قواقع اللؤلؤ تنمو فيها حبات اللؤلؤ سنة بعد سنة‏..‏ إلي خمس سنوات‏..‏فإنهم وضعوا في داخل محارة اللؤلؤ نوعا من الكرات الصغيرة المصنوعة من محارات أسماك أمريكية‏,‏ هذه الحبات الصغيرة تؤلم حيوان اللؤلؤ فيفرز حولها المادة الفضية في سنة‏..‏ أو أقل‏..‏ وهذا هو اللؤلؤ المزروع‏..‏ وقد كنت أول عربي يري مزارع ومصانع اللؤلؤ سنة‏1959‏ في مدينة تويا‏..‏ وقد تطورت زراعة اللؤلؤ‏...‏

فهم الآن يتحكمون في حجمه وفي لونه‏..‏ ودرجة شفافيته‏..‏ ولايملك حيوان اللؤلؤ إلا أن يطيع‏..‏ وقد ابتكر هذه الطريقة البسيطة العبقرية رجل اسمه ميكو موتو‏..‏ وهو اسم أكبر محلات ومزارع اللؤلؤ في العالم‏..‏

أذكر أنني قابلت أحد أحفاده في طوكيو وأبديت إعجابا ساذجا بزراعة اللؤلؤ‏,‏ فكان الحفيد ينحني ويتراجع ويشير بيده إلي الوراء‏..‏ ولم أفهم معني الانحناء مع الإشارة‏.‏ أما الانحناء فهو الادب الياباني التقليدي‏..‏ في الشارع وفي البيت وأنت تتناول العشاء مع أي أحد‏..‏ اما الإشاره باليد فهي إلي تمثال مصنوع من حبات اللؤلؤ لجده السيد ميكو موتو‏..‏

وقد برع اليابانيون في كل شيء كما برعوا في زراعة اللؤلؤ‏..‏ أخذوا من أوروبا وأمريكا وطوروا وأضافوا وأبدعوا‏..‏ ونافسوا كل الدول التي سبقت اليابان في كل هذه الصناعات‏..‏

فالأمريكان ـ مثلا ـ اخترعوا الترانزستور‏,‏ واليابانيون طوروه وجعلوا سعره أرخص ولانهاية لأشكاله وألوانه‏..‏ وقاموا بغزو شامل كاسح لكل أمريكا وأوروبا‏..‏ وكذلك التليفزيون والمسجلات والساعات والكاميرات والعدسات والسيارات‏..‏ والآن سفن الفضاء والصواريخ‏..‏ وأدوات التجميل والموضات وكل الأجهزة الطبية والالكترونية‏..‏

ولايزال علماء النفس يبحثون ويتساءلون‏:‏ إن كان هذا هو السبب في كراهية الناس لهم‏..‏ أي كراهية الناس لمن يعيش معهم تحت نفس السماء وفي نفس المحيط وفجأة يسبق الجميع سرا ودون أن يدري أحد‏:‏ كيف حدث ذلك؟‏!‏
فكيف كانت البداية؟

البداية كانت معنا‏..‏ فعندما كان رفاعة الطهطاوي ومن بعده علي مبارك يدرسان في فرنسا ويترجمان الدستور الفرنسي والنظريات الاجتماعية والسياسية‏,‏ ويقارنان بين حضارة الاسلام وحضارة
المسيحية‏,‏ وينقلان كل ذلك إلي مصر‏,‏ وفي حالة انبهار ادبي وفكري‏,‏ كان اليابانيون يرتادون أوروبا وأمريكا بحثا عن سر تقدم الغرب لكي يتقدموا مثل الغرب ويتقدموا علي الغرب أيضا‏..‏ لقد كانت ثورة‏..‏

والثورة اليابانية هي الثورة الوحيدة في تاريخ الإنسان في كل العصور التي قامت وتحققت دون إراقه دماء‏..‏ الثورة الفرنسية كان فيها إعدام واحراق ودم‏...‏ والثورة الأمريكية عرفت الدماء والنار والدخان‏..‏ والثورة الروسية أعدمت عشرات الملايين‏..‏ إلا ثورة اليابان‏,‏ فلا قطره دم واحدة‏..‏ ثم إنها ثورة بمعني الكلمة‏:‏ تغيير جذري للنظر إلي الحياة‏,‏ وأدوات الحياة‏...‏ وتعديل نهائي في مسار علاقات الانتاج وتشكل الانتاج‏,‏ وقفزة بعيدة جدا باليابان إلي بداية خط السباق مع الغرب وبمنتهي الجدية والتركيز الشديد والتضحية اللانهائية‏...‏ كثير من العرق والدموع ولا نقطة دم واحدة‏!!‏

وقد بدأ كل شئ يتغير في اليابان من حادثة واحدة‏,‏ فوجئ أبناء طوكيو بسفينة حربية كبيرة‏...‏ السفينة نزل منها رجل طويل ابيض أحمر‏..‏ يرفع العلم الأمريكي ويريد أن يتحدث مع أي أحد مسئول‏...‏ فلم يتحدث إليه أحد‏..‏ فهم لا يفهمون كيف جرؤ هذا الاجنبي علي أن يلوث المياه المقدسة لليابان‏...‏ ولما لم يجد القائد الأمريكي أحدا غادر المياه اليابانية ليعود إليها بعد عام‏..‏ أي سنة‏1854‏ ولم تكن سفينة واحدة‏,‏ وإنما أربع سفن وعلي ظهرها‏560‏ بحارا‏..‏ يريد مسئولا يتحدث إليه ويقدم إليه هذه الهدايا الكثيرة من فساتين السيدات والمجوهرات والاحذية والاطعمة الامريكية‏,‏ ويريد أن تسمح اليابان للاسطول الامريكي بأن يتزود بالماء‏..‏ وإذا مرض أحد من البحاره‏,‏ فلتسمح له اليابان بالعلاج‏...‏ وهو في الوقت نفسه يطلب التبادل التجاري بين البلدين‏...‏ يبيع سلع أمريكا ويشتري سلع اليابان‏,‏ ومن حق الأسطول الياباني ــ إن كان هناك ــ أن يذهب إلي الشواطئ الأمريكية ويتمتع بنفس المزايا‏...‏ ووجد أحدا‏,‏ واتفق معه‏,‏ وغادر المياه المقدسة‏..‏

ولكن دهشة الشعب الياباني لم تنته‏:‏ السفينة وحجم السفينة‏..‏ وأجهزة السفينة وملابس الجنود والضباط وطعامهم‏..‏ وأدوات الأكل والشرب‏..‏ كل ذلك لم يكن قد رآه الشعب الياباني‏..‏ ولا يعرف كيف الحصول عليه‏..‏ ولا كيف يصنعه لو تخيل لحظه أنه قادر علي ذلك‏...‏ ولم تنته الدهشة‏..‏ ولم تنته الصدمه الحضارية‏..‏ كأن السفينة الأمريكية مليون لغم عائم انفجر فانفتحت رءوس الناس وعيونهم وانطلق خيالهم إلي بعيد‏...‏ ما هذا؟‏..‏ كيف هذا؟‏..‏ لماذا؟‏...‏ أين نحن وأين هم؟‏...‏ وكيف السبيل إلي هذه الحضارة الجديدة؟‏!‏

ودخل الأمريكان والاوروبيون إلي بلاد اليابان وطلبوا معاملات ممتازة‏,‏ وذاق اليابانيون المر اشكالا والوانا بسبب هذه الامتيازات التي تجرعناها نحن أيضا في مصر‏,‏ وفي الوقت نفسه‏,‏ وبسرعة أوفدت اليابان عددا من المثقفين إلي أوروبا وأمريكا‏....‏ ليروا‏,‏ ويفهموا‏,‏ ويعودوا لكي يعلموا الشعب الياباني‏...‏ ذهبوا إلي أوروبا وعاشوا‏,‏ ورأوا وكتبوا وفهموا وناقشوا وقرروا‏...‏ اما الذين ذهبوا إلي أمريكا فلم يبهرهم شئ هناك‏,‏ فقط عندما حضروا احدي الحفلات وجدوا الرجال يقفون امام النساء‏..‏ ثم تنهض المرأة والرجل يلف يده حول خصرها‏...‏ وترقص هي وهو علي أطراف الاصابع مع الموسيقي‏....‏ ساعة وراء ساعة‏..‏ كان ذلك أعجب ما شهدوا في الدنيا‏...‏ كيف يتقارب الرجل والمرأة هكذا علنا؟‏!‏ كيف يعانقها علنا ويراقصها علنا ويتلامسان أثناء الرقص‏!!‏ هذا ما لا يمكن أن يحدث في اليابان‏,‏ فالمسألة بين الرجل والمرأة كبيرة جدا‏..‏ والكلفة لا يمكن أن تزول هكذا‏,‏ ولا المسافات‏...‏ اما كل الذي رأوه في أمريكا فيمكن تقليده وتنفيذه‏...‏ إلا هذا الرقص فيحتاج الي عشرات السنين لتغيير سلوكيات وتقاليد اليابان‏!‏ ولم يشغلهم الرقص كثيرا‏...‏

ولكنهم عادوا ببرنامج عمل بسيط جدا‏..‏ هو الثورة الحقيقية‏..‏ بل الثورة الوحيدة البيضاء الباهرة في تاريخ الإنسان‏...‏ لأنها غيرت كل شئ حتي وصلت باليابان إلي ما هي عليه الآن‏...‏ فماذا فعل هؤلاء المثقفون؟

أولا‏:‏ استدعوا عددا من الانجليز لكي يعلموهم صناعة السكك الحديدية والتليفونات‏..‏

ثانيا‏:‏ وعددا من الفرنسيين ليضعوا لهم دستورا جديدا‏..‏

ثالثا‏:‏ طلبوا من الألمان أن يعلموهم بناء المستشفيات وصناعة الدواء‏.‏

رابعا‏:‏ ومن الأمريكـــــان أن يقيموا لهــــم المدارس ويضعوا لهم البرامج التعليمية‏..‏

خامسا‏:‏ طلبوا من الايطاليين أن يعلموهم الرسم والنحت والموسيقي‏..‏

وجاء هؤلاء الخبراء إلي اليابان وأقاموا سنة وسنه اخري‏..‏ وعلموا مئات اليابانيين وودعهم اليابانيون بانحناءة عميقة وامتنان عظيم‏...‏ ثم اقفلوا علي أنفسهم المصانع والورش والمدارس‏..‏ وبدأت اليابان تغير حياتها وأسلوبها وموقعها علي خريطة الدنيا‏...‏ ويكفي أن نعلم أن اليابان هي أول دولة استخدمت اللاسلكي في الحرب سنة‏1904‏ ــ اللاسلكي الذي تعلمته من بريطانيا ــ فقد رصدت اليابان حركات الاسطول الروسي الذي اتجه يضرب اليابان في مياهها‏..‏ فرصدوا تحركات الاسطول الروسي والتقوا به حيث لم يكن يتوقع أحد‏..‏ وذلك بمتابعة الاسطول الروسي باللاسلكي‏...‏ وأحرقوا‏27‏ سفينة روسية‏..‏ وكان ذلك أعظم إعلان عن اليابان الجديدة‏...‏

هذه هي كل اسرار النهضة اليابانية‏...‏ التنوير الياباني‏...‏ لا أسرار ولا ألغاز‏..‏ وإنما هم اناس رأوا الغرب‏..‏ ودرسوا وحللوا وقرروا‏,‏ وصمموا‏,‏ فكانت ثورتهم علي انفسهم في كل شئ‏!!‏
فهل هذا معقول ؟‏!‏

نعم هذا هو المعقول في الفكر الياباني والثورة الجبارة الهادئة التي دفعت اليابان إلي الأمام في كل المجالات في السلام وفي الحرب‏..‏ وفي الارض وفي الفضاء‏...‏ فغزوا كل الاسواق بلا منافس‏..‏ ولم ينافسها احد إلا تغلبت عليه‏...‏ أليس من الطبيعي أن يكرهها العالم؟‏!‏

فكيف يكون طبيعيا أن يحبها العالم‏...‏ هذا ما يبحثه منذ العام الماضي ألوف علماء النفس والصناعة والزراعة والطب في كل الجامعات اليابانية‏,‏ لعلهم يخرجون بوصفه جديدة للحب‏..‏ يمكن تطبيقها وتشريعها‏..‏ أي المطلوب هو أن يصنعوا‏(‏ حجاب المحبة والقبول‏)‏ للشعب الياباني في العالم كله‏,‏ فهل هذا ممكن؟

اليابانيـــــون يقــــــولون‏:‏ إنه ممكـــــن‏,‏ ولابد أن نصدقهم‏..‏ فالذي فعلــــــوه فــــي كل المجـــــــالات يقنعنا بقدرتهـــــم الفذة علي صنع المعجزات‏...‏ وإذا كانوا قد صنعوا المعجزات التي أوغرت عليهم قلوب الدنيا‏,‏ فليس بعيدا أن يصنعوا ما يجعل القلوب تحبهم‏..‏

ممكـن؟‏..‏ إنهم يؤكــــدون أن هذا ممكن‏!!‏