تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أدب الخروج عن الادب .. بقلم .. انيس منصور


طمطم22
06-25-2007, 12:55 PM
أدب الخروج عن الادب

http://shabab.ahram.org.eg/Ahram/2003/5/1/ANEES.jpg

بقلم .. انيس منصور

اذا غاب الزوج عن البيت بعض الوقت‏,‏ شهرا مثلا‏,‏ فما الذي يجب أن تفعله الزوجة؟

وهذا واحد من الأجوبة‏:‏

كوني نظيفة جدا ودائما‏:‏ اغسلي يديك ورجليك ووجهك‏.‏ وضعي الزيت في شعرك‏.‏ وارتدي أحسن ملابسك‏.‏ وضعي الزهور في كل مكان‏.‏ واذا استطعت ان تغرسي أمام البيت شجرة فلا تترددي‏..‏ ولا تصادقي المتسولات ولا النساء اللاتي يتكلمن كثيرا‏..‏ وينقلن ماتقولينه من بيت إلي بيت‏..‏ فإذا عاد زوجك وجد المشاكل تنتظره‏..‏ وجد الشوك في الزهور‏.‏ ووجد عتبه البيت في لون أظافر يديك وقدميك‏..‏ ولا تنسي ان الرجل إنما يثيره كل ماهو نظيف في البيت وفي صاحبة البيت‏.‏

جاءت هذه النصيحة في كتاب قديم عمره عشرون قرنا مكتوب باللغة السنسكريتيه‏,‏ ولا أحد يعرف كم عدد الذين ألفوه‏..‏

الكتاب اسمه كاما سوتــرا وهو من أشهر الكتب في العالم‏.‏ وهو كتاب ملعون أيضا‏.‏ وهو ملعون عن سوء فهم في ذلك الوقت‏.‏ ولكنه الآن لم يعد ملعونا إن أصغر الشباب يعرفون مافيه‏.‏

والكتاب هو درس في السلوك العاطفي والجنسي بين الرجل والمرأة كما يقول المستشرق الانجليزي ريتشارد بيرتون الذي ترجمه‏..‏ ويقول أيضا‏:‏ وكانت الفتيات الهنديات يقرأن هذا الكتاب قبــــل الـــــــزواج‏,‏ لأن الغرض الأساســي من هذا الكتاب هو‏:‏ كيف يكون الانسان سعيدا رغم إنه زوج؟‏!‏

واجابة أخري عن هذا السؤال جاءت في رواية وراء أي باب تحت أية نافذة من أي بيت للكاتب الأمريكي جنزبرج‏..‏ فقد تغيب الزوج الشاب عن البيت لبعض الوقت لأنه يعمل بحارا في احدي السفن التجارية‏.‏ وشاءت الصدفة ـ لابد أن تشاء الصدفة طبعا ـ أن يتغيب وان يزور الزوجة صديق قديم لها ولزوجها‏..‏ ويجد المؤلف مناسبة لتفجير الماضي كله‏.‏

يقول الصديق‏:‏ أعرف ان زوجك غير موجود‏.‏ وسوف يظل غائبا فترة طويلة‏.‏ أنت لاتعرفين السبب ولكن عرفت ذلك أخيرا‏..‏ لن يجيء بعد أسبوع‏..‏ ان لنا حسابات قديمة مؤجلة‏..‏ وجاء زواجك مانعا شرعيا‏..‏ فما رأيك؟

وبدلا من ان تدعنا الزوجة نفكر في هذه المشكلة‏..‏ وبدلا من ان نشفق عليها‏..‏ فإنها تختــصر تفكيرنا وصفحات الكتاب وتهجــــــم علي الصديق تقبله وتحضنه وتقول‏:‏ أنت مغفل‏!‏ زوجي لم يكن حاضرا أبدا‏..‏ لقد كان غائبا طوال الوقت‏..‏ ولكن أنت مغفل مرة أخري‏,‏ لأنني لم أضع وقتي في انتظارك فقد كان هناك كثيرون‏..‏
ويخرج من تحت السرير شاب‏..‏

وهنا يدق جرس الباب وتدخل فتاة‏,‏ إنها صديقة هذا الصديق‏.‏ لقد أصبحوا أربعة‏..‏ وهذه اكثر من اجابة علي مــــــا الذي تفعلــــــه الزوجة اذا غاب عنها زوجها لأي سبب؟

أما الزوجة فقد كانت شبه عارية عندما دخل الصديق‏..‏ ولم يندهش لما رأي‏.‏ ولم تحاول هي ان تغطي نفسها‏..‏ ولا علق أحد علي هذا المشهد بكلمة واحدة‏!!‏

ومعني ذلك ان كل ما سمعنا وما رأينا وما خطر علي البال وما صدمنا‏,‏ شيء عادي‏,‏ أو يجب أن يكون عاديا‏..‏

وبين كتـاب كاما سوترا وبين رواية وراء أي بــاب‏..‏ الخ مئات الألوف من الكتب والروايات واللوحات‏,‏ كلها حائرة الخطوط والألوان والمساحات والأحجام تكشف وتغطي وتبرز وتخفي من جسم المرأة والرجل‏..‏ وترسم الطريق وتمحوه أمام الضمير‏.‏

والمعني الذي يقصده الكاتب الأمريكي‏,‏ وعشرات غيره من الأدباء الشبان هو‏:‏ أن الإنسان حر‏,‏ يفعل بنفسه وبجسمه وبغيره مايريد‏!!‏

أما انه حر‏.‏ فهذا صحيح‏..‏ وأن حريته في نفسه وفي جسمه لا حدود لها فهذا صحيح‏,‏ أما حريته في ان يفعل بغيره مايريد‏,‏ فهذه هي المشكلة‏!!‏

لأن الغير هم حدود حريتنا‏..‏ هم أسوارها الحديدية‏..‏ وأسلاكها الشائكة‏..‏ وفي مسرحية الخبز واللحم التي ظهرت في لندن منذ سنوات يصعد شاب عريان تماما‏..‏ أو إلا قليلا‏..‏ وهو لايتكلم‏.‏ وكلما سألوه عن شيء اكتفي بالإشارة إلي مكان من جسمه‏..‏ وعلي المتفرج أن يستنتج ما يشاء‏.‏ وغالبا لايعرف ما الذي يستنتجه؟ ولابد أن المؤلف قصد من وراء ذلك‏:‏ أن الممثل حر في أن يجيب عن الأسئلة التي يوجهها إليه ممثل آخر‏,‏ ومن الغريب ان هناك إجابات عن هذه الأسئلة في النص المطبوع للمسرحية‏..‏ ولكن الممثل حر في الخروج عن النص أو الخروج من النص أو الخروج من المسرحية كلها بأن يصبح شيخا يراه الناس ولا يسمعونه يقول شيئا‏!!‏
فما المعني؟

ان الانسان حر في الحياة‏,‏ وفي الحياة التي يخلقها الكاتب علي المسرح‏..‏ أي أنه حر عندما يكون متفرجا‏,‏ وحر عندما يكون ممثلا‏..‏ فيكون ممثلا او لايكون‏..‏ أو يكون الاثنين معا‏!!‏
فما المعني مرة أخري؟

مامعني الحرية هنا؟ الحرية هنا ليس لها معني‏..‏ إنها عبث‏..‏ عبث بالحرية‏..‏ أو مجرد العبث‏:‏ أي الخلو من المعني والهدف‏..‏
ولكن لماذا؟

وعن هذا السؤال إجابات كثيرة متضاربة تجعلنا نشعر بعد لحظات أننا أقمنا برج بابل من جديد‏..‏ وأننا حائرون وفي حاجة إلي من يرشدنا إلي خارج البرج‏..‏ وانه من الأفضل ألا يسمع الانسان كلاما‏,‏ علي أن يسمع أجمل الكلام‏..‏ أو أن نكتفي بأي كلام‏..‏ وبذلك نستريح من ضوضاء البرج‏.‏ ويبدو ان عددا كبيرا من الكتاب قد اهتدوا إلي هذا الضلال الذي يعانيه الناس‏..‏ فأقام كل واحد منهم بيتا وقال‏:‏ انه يعرف كل شيء‏..‏
ولأن الناس قد تعبوا‏,‏ فاستندوا إليه وعليه‏..‏ وساروا وراءه في كل عاصمة‏..‏ أغنام وراء ذئب‏..‏ ولا خوف منه ولا خوف عليهم‏.‏

وهو موقف لايبعث علي الضحك أو البكاء‏..‏ وانما له شكل الأمر الواقع وجموده‏..‏ ولنا شكل الأعمدة الرخامية وبرودتها‏..‏ فنحن بالفعل نفقد العقل من أجل أن نريح العقل‏..‏ نحن بالعقل نغرق أنفسنا في الخمر وفي المخدرات‏,‏ لكي ننسي ان لنا عقلا‏..‏

وبذلك تضيع الفوارق بين الذي يعرف الخمر‏,‏ وبين المخمور‏.‏ فالذي يعرف الخمر‏,‏ يفهم أنواعها وتذوقها ويعرف حدوده‏..‏ أما المخمور فهو الذي لايستخدم ذكاءه أو عقله في شيء‏..‏ وإنما هو يغرقها جميعا ويستريح‏,‏ أو يتوهم ذلك‏!!‏

وفي مسرحية المأجور بربارة لبرنارد شو نجد مثل هذا الحوار‏:‏
ـ أنا أعرف الفرق بين الخطأ والصواب أنت؟‏!‏ لاتقل ذلك‏!‏ أنت الذي لاقدرة لك علي العمل‏,‏ ولا خبرة لك بالقانون‏,‏ ولا ميل عندك للفن‏,‏ ولا رغبة في الفلسفة أنت تعرف هذا اللغز الذي دوخ رجال الأعمال‏,‏ وحير رجال القانون‏,‏ وحطم الفنانين‏,‏ وأضاع الفلاسفة‏..‏ أنت تعرف سر الخطأ والصواب‏..‏ أنت عبقري‏..‏ أنت أستاذ الفلاسفة والأساتذة‏..‏ وفي الرابعة والعشرين من عمرك‏!!‏

لا أحد يجرؤ علي أن يقول ذلك دون أن يجد من يسخر منه‏..‏ ولكننا في العصر الحديث لا نسخر من الذين يدعون المعرفة بحدود الحرية‏..‏ ومدي نفعها وضررها للقيم الأخلاقية والجمالية‏..‏ في الشارع وفي الطريق الي المسرح‏,‏ أو في الشارع الذي أصبح مسرحا أو في المسرح الذي انفتح وراء الستار‏,‏ فالفواصل بين الشوارع والمسارح مسألة نسبية‏..‏ان مسرحية الخبز واللحم تبدأ فصلها الأول في الميدان الموجود امام المسرح وبعد ذلك يمشي المتفرجون وراء الممثلين الي داخل المسرح‏..‏

والكثيرون من الناس قد سمع عن مسرحية اسمها أوه‏..‏ كلكتا‏..‏ وهي مسرحية عارية‏..‏ بمعني ان الممثلين يظهرون عراة تماما بعض الوقت‏.‏ والذين يذهبون إلي المسرح يتوقعون ذلك بين لحظة وأخري‏.‏ وقد وافقوا علي ان يروا ذلك‏..‏ ولكنهم يستنكرون مايرون‏..‏ بعضهم يفعل ذلك‏.‏

لأن المسرح كالمعبد‏:‏ مفروض ان يستمع فيه المتفرج إلي نصيحة بشكل مؤلم أو بشكل مضحك‏.‏ وهو يستمتع بما يري وما يسمع‏..‏ ولأن المسرح كالمعبد فإن المتفرج متمسك بطقوس المعابد‏..‏ ولأن المسرح كالمعبد‏,‏ فهو مكان مقدس او كالمقدس‏..‏ ولأنه مقدس‏,‏ فالانسان ـ اي المتفرج ـ يشعر بأنه صغير أمامه‏..‏ ولذلك يطلب منه وعنده نوعا من المساعدة‏!!‏