المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ســـاعة الفــــــــصل .. د/ مصطفي محمود


طمطم22
06-25-2007, 12:59 PM
ســـاعة الفــــــــصل

http://shabab.ahram.org.eg/Ahram/2003/5/1/Mostafa_Feb2.jpg
بقلم .. د/ مصطــــــــفي محمـــــــود



قال ربنا‏:(‏ إنا عرضنا الأمانة علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا‏)‏
‏(‏الآحزاب‏:72)‏

فماذا فعل الإنسان في ذلك الذي أشفقت منه السماوات والأرض؟‏!‏

ماذا فعل الخليفة في الخلافة التي آلت إليه‏..‏؟‏!‏

وماذا فعل في الأمانة التي أخذها علي عاتقه‏..‏؟‏!‏

لقد رفضت السماوات والأرض والجبال أن تحمل مسئولية تلك الأمانة‏..‏ وقالت‏:‏ لانريد أن يكون لنا أمر‏,‏ ولا تصريف في شئوننا معك يارب‏..‏ أنت يارب حسبنا‏..‏ تصرفنا كيف تشاء‏..‏
نعمل بأمرك ولا نستخلف علي شيء‏..‏

أما الإنسان فقد قبل الخلافة وقبل مقتضياتها‏..‏ أن تكون له حرية وتصريف‏,‏ وأن يكون له رأي وأن تكون له استقلالية في مملكته‏.‏

وأعانه الله فأعطاه العقل والحرية وسخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه‏..‏ ومد له في الأسباب‏..‏ فماذا حدث؟ لقد تنبأ له القرآن بأنه كان ظلوما جهولا بنفسه في قبوله لتلك المسئولية‏..‏ فقد تعهد بما لا يستطيع‏,‏ وحمل مالايقدر‏.‏
وقد صادقت الحوادث علي تلك النبوءة‏.‏

لقد أطلق الإنسان يده في الأرض فأفسدها‏..‏ لوث البحار والأنهار بالنفط والمبيدات ومخلفات المصانع وسموم المعادن الثقيلة‏..‏ لوث الجو بغازات الكبريت وأكاسيد الأزوت والكربون والرصاص‏..‏ واتخذ من قلب الأرض والبحر مخازن للموت النووي‏..‏ والرعب الذري يدفن فيه النفايات القاتلة لصناعاته المهلكة‏..‏ فأتلف الميراث الذي تسلمه من سيده ومولاه‏.‏

وأرسل له الله الرسل يهدونه إلي الشرائع فخرق الشرائع وطلب اللذة من وجوهها الشاذة باللواط والسحاق‏!!‏ وخرجت قبائل من الشواذ تطالب بشرعية الفسق وتقنن زواج الرجال بالرجال‏,‏ وزواج النساء بالنساء‏,‏ وتسير في مظاهرات علنية تطالب بحقوقها وتتخذ لها النوادي المرخصة‏..‏ ورأينا في زماننا العجيب تقنين هذه المخالفات يحدث أمام عيوننا‏,‏ ومراسيم الكونجرس تقرر المساواة بين الشواذ والأسوياء في جميع الوظائف حتي وظائف الجيش‏.‏

وتفنن الإنسان فجعل من الحرية الجنسية شريعة مملكته وأقام للزنا مؤسسات وأقمارا فضائية تنشره‏,‏ وأبدع في إخراجه بجميع أوضاعه في أبهة من الألوان ومواكب من الزخرف واستأجر له الجميلات والفاتنات من كل جنس وعرضهن عاريات‏,‏ وبث العهر مباحا لكل من يشتري طبقا ولكل من يوجه هوائي استقباله إلي الفضاء‏..‏ وقامت دول كبري بحماية هذه الصناعة الجديدة ونشرها وتنافست شركات السينما في السبق إلي الموضة الجديدة وجري المسرح وراءها‏.‏

وقرأنا آخر خبر جاء من أمريكا‏..‏ حكاية الممثلة الأمريكية كيم باسنجر التي رفضت تنفيذ بعض المشاهد العارية في فيلمها الذي تعاقدت عليه‏(‏ فيلم هيلينا‏)..‏ فرفعت عليها الشركة قضية تعويض وجاء حكم القاضي بغرامة‏8‏ ملايين دولار تدفعها الممثلة لأنها رفضت خلع ملابسها الداخلية وامتنعت عن تنفيذ السيناريو كما أراده المخرج‏.‏

انقلبت الأوضاع وأصبحت التي تدفع الغرامة هي التي تتمسك بالعفة وترفض الفجور‏..‏ وأصبح الشرف هو الجريمة التي تستدعي توقيع أقصي العقاب‏!‏

وأصبح الحجاب هو الذي يدعو إلي المساءلة‏..‏ حتي في بعض بلاد الإسلام‏!‏

وفي تركيا عوقبت نائبة البرلمان بالحرمان من الجنسية لأنها رفضت خلع الحجاب‏.‏

وفي السياسة أصبح الظلم شريعة اسمها الحركي حقوق الإنسان‏!‏ واصطنعت الدول العظمي نظاما جديدا للعالم يكون للعدالة فيه أكثر من مكيال للنامية مكيال‏,‏ وللدول العظمي مكيال‏..‏ ولا تكون حقوق الإنسان لكل إنسان‏..‏ وإنما علي حسب موقف هذا الإنسان‏..‏ معهم أم عليهم‏..‏ وعلي مقتضي المصلحة العاجلة للدول العظمي ذات الشأن ساعتها‏..‏ والمصالح تتغير من ساعة لساعة‏.‏

هذا الغش العلني في القيم والمعايير‏,‏ وهذا الغش العلني في المثل والأخلاقيات أصبح هو القاعدة في عالم اليوم‏.‏

وإذا تصورنا لسلوك هذا الخليفة خطا بيانيا‏..‏ لرأيناه خطا يسير إلي النازل طول الوقت من بداية آدم إلي الآن‏..‏ يسير من انحدار إلي انحدار إلي غور سحيق‏.‏

وعلي العكس من ذلك ننظر إلي الخط البياني الآخر الذي يعبر عن نصيب هذا الإنسان الجاحد من النعمة الإلهية‏,‏ فنجده صاعدا طوال الوقت‏..‏ إلي الأغني والأقوي والأكثر حظا في كل شيء‏.‏

نصيب هذا الإنسان من المال والولد‏,‏ ومن ثمار الأرض ومن العلم الذي أفاءه الله عليه وعلي سلالته في جميع فروع المعرفة‏..‏ الصناعة‏..‏ الزراعة‏..‏ الطب‏..‏ المواصلات‏...‏ الدفاع‏..‏ الكيمياء‏..‏ الفيزياء‏..‏ الفلك‏...‏ الفنون‏..‏ الثقافة كان في الزيادة دائما‏.‏

الواحد‏(‏ آدم‏)‏ أصبح ببركة الله ستة آلاف مليون آدمي‏..‏ مشي علي القمر‏,‏ وأرسل السفن إلي المريخ والزهرة وأورانوس والمشتري وأرسل الكاميرات الفلكية إلي ما وراء الشمس وأرسل المجسات الفضائية تقيس الاشعات الخفية في أرجاء الكون‏,‏ وزرع الأرض بالميكنة وضاعف المحصولات بالهندسة الوراثية واستولد الجديد المبتكر من الفواكه والثمار‏,‏ واخترع السيارة والقطار والطائرة الصاروخ وسبق الصوت في سرعته بعدة أضعاف‏,‏ وأرسل الصور بالراديو والتليفزيون والفاكس واخترع الحسابات والذاكرة الكومبيوترية المذهلة وصنع الأعاجيب في الطب والجراحة‏.‏

زرع قلوب الموتي في الأحياء وزرع الشعر والجلد والكبد والكلية والأمعاء والرئتين وزرع أجهزة السمع والبصر في الدماغ وأنشأ بنوكا يحفظ فيها الحيوانات المنوية والبويضات في درجة حرارة تحت الصفر لتعيش سنوات وتكون تحت الطلب حينما يريد أن يستولد منها أجيالا جديدة‏.‏

وقضي علي الجدري وأوشك أن يقضي علي التيفود والتيفوس وشلل الأطفال والجذام‏..‏ وأمتد بصره عن طريق المناظير الفلكية العملاقة‏,‏ فأصبح يري شموسا علي بعد‏15‏ مليون سنة ضوئية‏,‏ واخترق بصره العالم الأصغر عن طريق المجهر‏,‏ فأصبح يري الميكروبات والفيروسات وامتد سمعه إلي ما وراء المجرات فالتقط ضوضاء الانفجار الذي بدأ به الكون‏..‏ أما قوة ذراعه فقد تعملقت إلي ونشات وروافع وصواريخ وقنابل ذرية وهيدروجينية وتحولت إلي قوة تدميرية هائلة‏..‏ وأخيرا شبكة الانترنت‏..‏ عجيبة العجائب التي يتصل بها أطراف العالم للتجارة الالكترونية ونشر العلوم والمعارف‏..‏ فماذا فعل بها الإنسان؟‏..‏ استعملها في نشر الدعارة واللواط والفسق الفوري عن طريق التخاطب الألكتروني‏.‏

وفي نشوة انتصاره ظن أنه الصانع الأوحد لكل هذا ولم يدرك مصدر كل تلك الإلهامات والعلوم والمعارف‏..‏ وقال مثلما قال قارون‏:(‏ إنما أوتيته علي علم عندي‏)‏

لم ير اليد الإلهية الخفية التي أعطت‏,‏ ولا الملائكة التي ألهمت ولم يكشف له ربنا ما كشف لنوح حينما قال‏:(‏ واصنع الفلك بأعيننا ووحينا‏)‏ هود‏:37).‏

فكان نوح يعلم أنه يتلقي عن ربه علم صناعة السفن‏..‏ أما كل هؤلاء المخترعين فكانوا محجوبين وظنوا أنهم هم الذين أبدعوا وابتكروا واخترعوا فامتلأوا غرورا‏,‏ وكانت النتيجة تلك الغطرسة التي أخذت بتلابيب هذا الإنسان فكان يزداد بطرا كلما ازداد غني‏,‏ ويزداد تجبرا كلما ازداد قوة‏,‏ ويزداد كفرا كلما ازداد علما‏!..‏ وكان هذا الرسم البياني العجيب‏..‏ خطا صاعدا أبدا يشير إلي إمتلاكه المزيد والمزيد من القوة والثروة والمعرفة طول الوقت يقابله خط نازل في انحدار مستمر يشير إلي سفالته وجحوده وقسوته وكفره‏..‏ كلما زاده الله نعمة ازداد جحودا‏!!‏

والعاقبة الطبيعية لكل هذا لاشك أنها تدور الآن في أذهانكم‏..‏ إننا نقترب الآن من اللحظة الحرجة‏..‏ فربنا من أسمائه الحسني نعلم أنه الصبور‏,‏ وقد صبر ربنا علي هذا الجحود ثلاثة ملايين سنة هي عمر هذا الإنسان من أيام آدم أول البشر إلي الآن‏..‏ وهذا رقم فلكي في الصبر لايقدر عليه إلا رب كريم حليم‏..‏ ومايزال الرب يعطي ومايزال الإنسان يجحد‏..‏ ويكفر‏..‏

وقد أمده ربنا بمدد من الأنبياء والرسل والمعلمين المؤدبين والمصلحين والناصحين‏..‏ ولم يثمر هذا المدد سوي قلة مستضعفة مهزومة من المؤمنين مضطهدين ومضروبين في كل مكان‏..‏

ومحل سخرية واستهزاء من كثرة علمانية مفترسة فاجرة تملك السلطة والأسباب والجاه والكلمة‏..‏ فلم يبق إذن إلا شيء واحد‏..‏

كارثة شاملة تكون وقفة تأديب وإيقاظ لهذا الإنسان السادر في غفلته‏..‏ أو إعلام خاتم بنزول المسيح وظهور المهدي ليكون الرحمة الأخيرة قبل الغضب العام الذي يهدم به ربنا الأرض ويطوي السماوات علي من فيها وما فيها‏!‏

وأشعر أنه قد أزفت الآزفة التي ليس لها من دون الله كاشفة‏,‏ وأننا نعيش بالفعل في زمان هذه الأحداث الكبري‏..‏ أو أننا نقترب منها‏..‏ وأن الكوارث الصغري التي نعيش فيها اضطراب الطقس وكثرة الزلازل وتفجر البراكين وكوارث السيول والفيضانات والأعاصير وظهور الأمراض والفيروسات التي تتحدي العلم البشري هي المقدمات المنذرة‏.‏ إن عجلة التاريخ تسير الآن بإيقاع متسارع‏..‏ وما كان يحدث في ألوف السنين أصبح يحدث الآن في سنوات قليلة‏..‏ الانتقال من عصر الطاقة اليدوية الي عصر الفحم إلي عصر البخار إلي عصر البترول إلي عصر‏.‏ الكهرباء استغرق ألوف السنين‏..‏ الآن يقفز التاريخ من عصر الذرة إلي عصر الإلكترونات إلي عصر الكمبيوتر إلي عصر الفضاء إلي عصر الهندسة الوراثية في بضع سنوات‏..‏ وهذا يعني أن ما تبقي من تطور سوف يكون مضغوطا في حيز تاريخي قصير‏..‏ وأننا بالفعل نهرول إلي النهاية‏.‏

والاحتمال الآخر أن يستمر التاريخ علي ما هو عليه لألوف السنوات وملايينها‏..‏ يمضي في رتابة كما هو‏,‏ ويزداد الإنسان علما ويزداد كفرا‏,‏ ويلوث الكون أكثر‏,‏ ويفسد في الأرض أكثر وأكثر‏,‏ ويتعملق في قواه وجبروته‏,‏ ويغزو الكون بحماقات بلا نهاية‏...‏ ويتحول البشر إلي ديناصورات جبارة يقاتل بعضها بعضا‏,‏ وتطارد كل صنوف الحياة في غباء‏..‏ وهو احتمال لايصلح إلا إذا كان الكون بلا مكون‏,‏ والعزبة بلا بواب‏,‏ والأرض بلا صاحب‏,‏ والوجود بلا عقل‏..‏ وهو أمر مستحيل‏,‏ فكل شيء في هذا الوجود من الذرة إلي المجرة ينطلق بالهندسة المحكمة والتدبير الملهم ويشهد بأن الله شاخص ماثل حاضر لايغيب ولا ينام ولا يغفل ولا يسهو ولا يظلم مثقال ذرة‏..‏ وقد أهلك ربنا الدناصير الأولي ومسحها من الأرض حينما طغت وسيطرت علي كل صنوف الحياة‏,‏ وضرب لنا مثلا لا ينكره إلا تفكير علماني غبي أو عناد كافر محجوب‏.‏

والذي بين أيدينا من شواهد ينفي هذا الاحتمال ولايقول بتلك العبثية المتخبطة العمياء‏..‏ فالكون بصير وليس أعمي‏..‏ وعينه هي الذات التي خلقته‏..‏ الله الحي الذي لاينام‏..‏ وهناك منطق في التاريخ وفي الحوادث يحكم كل شيء في خفاء واستمرار‏..‏ ولا شيء يذهب سدي‏.‏

ضعوا أيديكم علي قلوبكم فقد مضي الكثير ولم يبق إلا القليل يا سادة‏..‏ فنحن مقبلون يقينا علي أحداث كبري‏.‏