المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ننتظر الأسوأ ولو حلت مشكلة الدين


eshrag
07-25-2011, 07:11 AM
http://static.mubasher.info/File.Story_Image/2405173.jpg
عصام الجردي


أيام معدودة تفصلنا عن 2 أغسطس/ آب 2011 . يحبس العالم أنفاسه في انتظار ما ستؤول إليه المناقشات الحادة في الكونغرس الأمريكي، في شأن طلب الرئيس باراك أوباما تخويل إدارته قانوناً لزيادة سقف الدين عن 4 .13 تريليون دولار أمريكي (كما في 16 مايو/ أيار الماضي) . “الانفجار المالي النووي” الذي تخيلناه في مقال سابق في حال اعلان الولايات المتحدة توقفها عن سداد التزاماتها المالية، بني على تداعيات مثل ذلك الإعلان على الولايات الأغنى والأقوى، وعلى أسواق المال والاقتصاد العالمي . المرحلة الأولى من الانفجار ستكون تسونامي على الولايات المتحدة بالذات، تفوق قوته تسونامي كاترينا ونيو أورلينز، لتنتقل موجاته الارتدادية إلى بقية العالم، الصين واليابان والدول الآسيوية والأوروبية، المرتبطة بوضع الدائن للولايات المتحدة بتريليونات الدولارات .

لا نصدق أن الكونغرس الأمريكي لن يجترح حلاً للخلاف القائم مع الإدارة حيال الأمر قبل نفاد الأيام المتبقية دستورياً . نقول ذلك في منطق العقل والتبصر . ذلك أن النتائج الفورية على الولايات المتحدة إذا تحولت دولة متوقفة عن سداد التزاماتها المالية، توقف الدفع للعمال والموظفين الفدراليين . توقف المساعدات للمسنين ولذوي الاحتياجات الخاصة . توقف سداد متعاقدي وزارة الدفاع . توقف طوابع الغذاء للجوعى والمشردين الذين تفاقمت أعدادهم نتيجة الأزمة 2008 . ويقدر حجم النفقات في هذه المجالات وفقاً لمراكز البحوث الأمريكية ووزارة الخزانة 5 .1 تريليون تساوي نحو 10 في المئة من الناتج المحلي . مع احتمال خفض وكالات التصنيف المركز الائتماني والسيادي للدين الأمريكي، وهو الآن تحت الرقابة بعد ان وضع في خانة السلبي من مستقر، سيؤدي حكماً إلى تراجع قيمة الدولار الأمريكي، وارتفاع الفوائد وزيادة تكلفة الدين الأمريكي . وتدخل الولايات المتحدة مرة أولى في تاريخها الحلقة المفرغة بين تنامي الدين وارتفاع تكلفة خدمته أصولاً وفوائد . هذه حال البلدان النامية والفقيرة . ومن منظور الاقتصاد الكلي، انهيار في أسواق الأسهم، وتراجع الاستثمارات، والدخول من جديد في دوامة ركود بدا الاقتصاد الأمريكي قبل سنة ونصف السنة انه غادره ليتلمس مسار النمو البطيء . وفي كل الأحوال تكون الولايات المتحدة في طريقها إلى نمو الدين بوتيرة أسرع من نمو الاقتصاد . وبافتراض التوصل إلى رفع سقف الاستدانة فسيتجاوز حجم الدين الناتج المحلي مرة أولى غير مسبوقة أيضاً .

الدول الدائنة الرئيسة للولايات المتحدة وفي مقدمها الصين بنحو 7 .1 تريليون، والتي شكلت رافعة لانتشال الاقتصاد العالمي من الركود، وتحضها الولايات المتحدة على دور أكبر، ستلهث لحماية نفسها من الأسوأ . اليابان ايضا دائنة بنحو 800 مليار، ولم يسجل اقتصادها بعد اشارات تعافي . الدول الأوروبية، بريطانيا في مقدمها مع الدول المصدرة نفطاً، دائنة بمئات المليارات . لا يمكن مقاربة دقيقة لسيناريو ما بعد التسونامي المالي الأمريكي، على الاقتصاد العالمي . سواء لناحية تراجع قيمة احتياطات الدول المقومة بالعملة الأمريكية، أو لناحية أسعار النفط والغاز والسلع المسعرة بها، وأسعار الأصول، وانكماش التسليفات المصرفية، ووضع الاستثمارات الخاصة والشركات وغيرها، إلا من الزاوية الشديدة القلق على مسار اقتصادات الدول والقطاع الخاص في العالم على حد سواء . هذا الوضع معطوف على الأزمة المالية في أكثر من دولة أوروبية لا يترك مجالاً لحسن الظن بالآتي . والعالم يشهد ارتفاعاً في معدلات التضخم وأسعار الغذاء والدواء وغيرها .

لكل ما ذكر ويؤجج المخاوف نقول، إنه من العبث الركون إلى استبعاد التوصل إلى حل في الكونغرس قبل أن تقرع أجراس “الانفجار المالي النووي” . وقد لمّحت وكالة “رويترز” قبل نحو أسبوعين إلى محادثات سرية قائمة بين وزارة الخزانة ومجلس الاحتياط الفدرالي برعاية أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، للتوصل إلى حلّ قبل ساعة الصفر . والنقاش بحسب الوكالة، يدور على أمور ثلاثة: ما إذا كان مسموحا للرئيس في حالات كهذه تجاوز الكونغرس والاستدانة بلا قانون . إمكان إرجاء السداد لتأمين السيولة وترتيب سداد الالتزامات بالأولوية سندا إلى سابقة بحكم قضائي صادر في 1985 . وهناك خلاف على تفسير المادة 14 من الدستور الأمريكي المتعلقة بالدين السيادي والحكومي .

كيفما تطلعنا، وأيما اتجاه سلكنا، نصطدم بالنظام الرأسمالي العالمي وامتداداته في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والأمن . إنه يدمر نفسه الآن ويأخذ العالم قاطبة في طريقه . هذه ليست مشكلة دين . ولا مشكلة سداده . المعضلة هيكلية وعميقة في الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي ما دام الإنسان ليس القيمة المعيارية الحقيقية .