تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مصيدة أموال المضاربة وصعود آسيا


eshrag
07-29-2011, 04:50 AM
مصيدة أموال المضاربة وصعود آسيا

دان شتاينبوك

لقد شهدت الأزمة المالية الأخيرة صعود آسيا بوصفها قوة اقتصادية كبرى ـ بل وباعتبارها محركاً رئيسياً للنمو العالمي.
وفي غضون خمسة أعوام أو نحو ذلك، قد يبلغ إجمالي الاقتصاد الآسيوي حجم اقتصاد الولايات المتحدة نفسه والاتحاد الأوروبي مجتمعين.
وفي حين تواصل آسيا صعودها فإن البلدان الصناعية الغنية التي كانت تؤلف عضوية مجموعة الدول السبع انزلقت إلى فخ السيولة.
وفي ظل الركود المستمر الذي استنفد قدرة المؤسسات التقليدية على توظيف السياسات النقدية، اختارت البنوك المركزية تنفيذ جولات جديدة من التيسير الكمي. ومع سعي المستثمرين إلى جمع عائدات أعلى، فإن المزيد من التيسير الكمي ـ وخاصة من جانب الولايات المتحدة ـ من شأنه أن يدفع ''أموال المضاربة'' (التدفقات الاستثمارية القصيرة الأجل) إلى الأسواق الناشئة ذات العائد العالي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تضخم فقاعات الأصول الخطرة في آسيا وأمريكا اللاتينية وفي أماكن أخرى. ويظل بنك الاحتياطي الفيدرالي، وإدارة أوباما، متشبثين خطابياً بالحفاظ على ''الدولار القوي''.
ولكن ضعف الدولار يشكل العامل الذي أدى إلى تعزيز مكاسب الشركات الأمريكية منذ اندلاع الأزمة، وبالتالي دفع متوسط مؤشر داو جونز الصناعي إلى أعلى من 11 ألف نقطة للمرة الأولى منذ أيار (مايو).
والواقع أن قيمة الدولار هبطت بمقدار الثلث في مقابل العملات الرئيسة منذ أوائل عام 2002، ولقد اشتد هبوط الدولار أخيرا.
ومنذ نهاية آب (أغسطس)، عندما طالب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي بن برنانكي بجولة أخرى من التيسير الكمي، تراجع الدولار بما يتجاوز 7 % في مقابل ما لا يقل عن ست عملات رئيسة.
والآن تباع الأوراق المالية المحمية من التضخم بعائد سلبي للمرة الأولى على الإطلاق.
وبعد انتخابات التجديد النصفي وعودة الجمهوريين إلى الكونجرس الأمريكي، فمن المرجح أن يؤدي القرار الذي اتخذه بنك الاحتياطي الفيدرالي بضخ 600 مليار دولار في شرايين الاقتصاد بحلول منتصف عام 2011 إلى تحفيز إجراءات مماثلة في المملكة المتحدة، واليابان، وغير ذلك من البلدان المتقدمة.
فضلاً عن ذلك فقد ترك بنك الاحتياطي الفيدرالي الباب مفتوحاً أمام المزيد من التيسير الكمي في العام المقبل ـ وهو اعتراف ضمني بأن فترة التعافي ستكون طويلة وبطيئة.
ولكن التأثير الذي قد تخلفه جولة أخرى من التيسير الكمي على أسعار الفائدة قد يكون ضئيلاً ومحدودا، كما تشير بحوث بنك الاحتياطي الفيدرالي ذاته.
والواقع أن التأثير الكامل لجولة ثانية من التيسير الكمي في الولايات المتحدة لن يكون محليا، وذلك لأن التأثير الصافي سيكون زيادة الدولار ضعفاً مع مراهنة المضاربين على انحداره.
والموجات المتعاقبة من التيسير الكمي من شأنها أن تحط من قيمة الدولار، وبالتالي التخلص من جزء كبير من الديون الأمريكية بفعل التضخم.
وفي الوقت عينه تتحرك البلدان النامية في الاتجاه المعاكس.
ففي تشرين الأول (أكتوبر)، قرر بنك الشعب الصيني في استجابة لتهديد التضخم وفقاعات الأصول رفع أسعار الفائدة على الودائع والقروض لعام واحد بمقدار 25 نقطة أساسية، فأصبحت 2.5 و5.56 % على التوالي ـ وهي أول زيادة منذ عام 2007.
وفي الغرب أدت المخاوف بشأن تأثير النمو الصيني إلى موجة من البيع الناتج عن الخوف في الأسواق. وقبل أن يتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي أية تدابير، قرر بنك الاحتياطي الهندي رفع سعر الفائدة القياسي القصير الأجل بمقدار 25 نقطة أساسية، إلى 6.25 % بهدف مكافحة التضخم، والآن يشير بنك الصين المركزي إلى أنه قد يرفع أسعار الفائدة إلى مستويات أعلى.
وفي البرازيل تظل أسعار الفائدة قريبة من 11 % .
وبعد قرار التيسير الكمي الذي اتخذه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي فإن البرازيل تعد العدة للانتقام.
وعلى حد تعبير جويدو مانتيجا وزير المالية البرازيلي:
''لا جدوى من إلقاء الدولارات من طائرة مروحية على الناس''.
وسرعان ما وصف وزير المالية الألمانية السياسة الأمريكية بالجهل، في حين أكد نظيره في جنوب إفريقيا أن هذا التحرك الذي اتخذه بنك الاحتياطي الفيدرالي من شأنه أن يقوض ''روح التعاون المتعدد الأطراف'' التي أطلقها زعماء مجموعة العشرين.
واليوم يعمل الانقسام العالمي المتزايد عمقاً على تأليب الولايات المتحدة المتباطئة النمو ضد عديد من الأسواق الناشئة والبلدان المنتجة للسلع الأساسية.
والواقع أن التأثير الذي خلفه التيسير الكمي على مستوى العالم يتلخص في تفاقم الانقسام، والذي انعكس في الخلافات بين بلدان مجموعة العشرين.
ومع استنفاد بنك الاحتياطي الفيدرالي لقوة الأدوات النقدية التقليدية، فإنه يتجه نحو منطقة مجهولة، حيث تتعاظم احتمالات حدوث النتائج غير المتوقعة والأضرار الجانبية غير المسبوقة. وهناك أيضا خطر انحدار الدولار إلى مستويات خطيرة، وهو ما قد يدفع المستثمرين إلى الفرار من ديون الولايات المتحدة.
كان برنانكي قد اقترح في خطابه الشهير الذي ألقاه في عام 2002، فيما يتصل باحتمالات الانكماش في أمريكا، اقترح أن خفض قيمة الدولار بنسبة 40 % على يد فرانكلين روزفلت في الفترة 1933-1934 يدل على أن سياسة سعر الصرف قد تكون ''فعّالة كسلاح ضد الانكماش''.
ولكن اليوم، أصبح التكامل الاقتصادي العالمي والترابط العالمي أعمق كثيراً مما كان عليه في ثلاثينيات القرن الـ 20.
وكما اشتكى تشن دهم ينج وزير التجارة الصيني أخيرا:
''فإن إصدار الولايات المتحدة للدولارات أصبح خارج زمام السيطرة، وأسعار السلع الأساسية الدولية أصبحت في ارتفاع مستمر.
ونتيجة لهذا فإن الصين تتعرض الآن لهجمات من التضخم المستورد''.
إن التأثيرات المترتبة على السياسة التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي وأموال المضاربة كانت مروعة. ازدادت احتياطيات الصين من النقد الأجنبي بنحو 194 مليار دولار، وهو ما يتجاوز كثيراً الفائض التجاري الصيني الذي بلغ 66 مليار دولار وتدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي إلى البلاد والتي بلغت 23 مليار دولار.
ونستطيع أن نرجع جزءاً من الفارق على الأقل إلى ''أموال المضاربة''.
والأكثر أهمية من ذلك أن الانحدار الخطير في قيمة الدولار الأمريكي (أو الارتفاع المخل بالنظام لقيمة الرنمينبي الصيني) من شأنه أن يعوق نمو الصين، بل يعرقل أيضا التعافي العالمي. في تسعينيات القرن الـ 20 كانت البلدان الناشئة والنامية لا تزال تعتمد على نمو مجموعة الدول السبع.
وفي العقد الماضي، وكما أظهر بحث أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن هذه البلدان أصبحت معتمدة على النمو الصيني.
وأي انحدار في نمو الصين من شأنه بالتالي أن يقوض إلى حد كبير جهود الحد من الفقر في بلدان العالم الناشئة.
لقد تسببت السياسات الأمنية الأحادية الجانب أثناء رئاسة جورج دبليو بوش إلى ترك الولايات المتحدة من دون أصدقاء.
وفي عهد أوباما، قد تؤدي السياسات الاقتصادية الأحادية الجانب إلى النتيجة نفسها.
إن القرارات التي تتخذها البنوك المركزية في البلدان الرئيسة تؤدي إلى عواقب عالمية في ظل اقتصاد عالمي.
وفي عالم حيث لم تعد مجموعة الدول السبع قادرة على دفع النمو العالمي إلى الأمام، فإن طباعة النقود تُعَد بمثابة اللعب بالنار.