المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذا ما سوف يحدث لامريكا في حال عدم رفع سقف الدين .


eshrag
07-30-2011, 11:50 AM
ما الذي يحدث إذا توقفت الولايات المتحدة عن خدمة دينها العام؟ الحقيقة أن الآثار التي يمكن أن تترتب على ذلك، وفي هذا التوقيت بالذات هي آثار مرعبة، ويمكن تلخيص هذه الآثار في الآتي:

أولا: ستضطر الحكومة الأمريكية إلى تخفيض الإنفاق العام بصورة حادة، ذلك أن توقف الولايات المتحدة عن خدمة ديونها سيؤثر في قدرتها على إصدار سندات جديدة، وهو ما يجبرها على اللجوء إلى خفض الإنفاق بصورة كبيرة، الأمر الذي يعقد من أوضاع استعادة النشاط الاقتصادي، ومما لا شك فيه أن اضطرار الولايات المتحدة إلى اتباع سياسات تقشفية سيغرق الولايات المتحدة مرة أخرى في الكساد ويصبح التراجع المزدوج أمرا مؤكدا مع تراجع معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة، وهناك حاليا خلاف واضح بين الجمهوريين والديمقراطيين حول سياسات التقشف، فالجمهوريون يرغبون في تخفيض الإنفاق العام، بينما يقترح أوباما تجميد الإنفاق الأساسي للولايات المتحدة (مثل الرعاية الصحية والدفاع)، بينما يزيد الإنفاق الحكومي على الاستثمار في التعليم والابتكار وعلى البنية التحتية لكي يحافظ على تنافسية الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي. من ناحية أخرى، فإنه من الصحيح أن الولايات المتحدة تملك القدرة على زيادة إيراداتها والحد من نفقاتها وذلك لتثبيت نسبة دينها العام إلى الناتج المحلي الإجمالي على الأقل، ولكن المشكلة هي أن الوقت الحالي غير مناسب إطلاقا للقيام بذلك، وطالما استمرت الضغوط الحالية التي تواجهها الولايات المتحدة ستستمر الضغوط المالية التي تعانيها أيضا.

ثانيا: مما لا شك فيه أن توقف الولايات المتحدة عن خدمة ديونها سيتسبب في شيوع حالة ذعر عظيمة في الأسواق العالمية، وهو ما يمكن أن يحدث صدمة هائلة في أسواق الأصول ليس فقط في أمريكا، ولكن في أسواق العالم أجمع، بصفة خاصة في أسواق الأسهم حيث من المتوقع أن تتأثر أسعار الأسهم بصورة كبيرة، وهو ما يمكن أن يحدث فوضى عارمة في الأسواق العالمية، ولا يمكن توقع الآثار التي يمكن أن تترتب على ذلك، ولا شك أن أسوأها هو أنه من الممكن أن يتسبب ذلك في نشوب أزمة مالية عالمية أخرى، مثلما يتوقع المراقبون وهو ما قد ذلك بالاقتصاد العالمي نحو الانهيار على نحو سريع، آخذا في الاعتبار الظروف الحالية التي يمر بها.

ثالثا: من المؤكد أن مؤسسات التصنيف الائتماني ستقوم بتخفيض تصنيف الدين الأمريكي وهو ما يمكن أن يحول السندات الأمريكية إلى سندات غير مرغوب فيها عالميا Junk Bonds في تصنيفها العام إذا توقفت الولايات المتحدة عن خدمة الدين في آب (أغسطس) المقبل، الأمر الذي سيدفع المستثمرين في الدين الأمريكي إلى طلب معدلات عائد أعلى، وعليه ستضطر الولايات المتحدة إلى دفع تكلفة أكبر لديونها، إلى أن تستعيد تصنيفها الائتماني الحالي مرة أخرى، ومع كل زيادة في العائد المطلوب على السندات الأمريكية سترتفع نسبة خدمة الدين إلى إجمالي الإنفاق العام الأمريكي، ومن ثم يثقل العبء على كاهل دافع الضرائب، وبالنظر إلى الحجم الهائل للدين الحالي فإن مدفوعات الفائدة الناجمة عن ارتفاع تكلفة خدمة الديون ستربك المالية الأمريكية وتجعل من الصعب على الولايات المتحدة استعادة تصنيفها الائتماني في وقت قصير. أكثر من ذلك فإن ارتفاع مدفوعات الفائدة على الدين يؤثر سلبا في معدلات النمو الاقتصادي.

رابعا: سيؤدي توقف الولايات المتحدة عن خدمة ديونها إلى إلقاء ضغوط إضافية على الدولار المنخفض أصلا، وفي ظل السياسات الحالية حيث لا يوجد أمل في تحسن وضع الدين العام الأمريكي في المستقبل المنظور، فإن الأخير سيظل مصدرا كامنا للضغط على الوضع العالمي للدولار، وستتراجع قيمة الدولار بصورة كبيرة أمام العملات المختلفة الأمر الذي يمكن أن يزيد من الضغوط الحالية التي يواجهها الدولار، حيث قد يدفع العالم إلى العمل على التخلص من الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية.

خامسا: سيلحق بالمستثمرين خسارة كبيرة نتيجة لتراجع قيمة الدولار، خصوصا بالنسبة للمستثمرين الذين تقترب سنداتهم من الاستحقاق، فقد قاموا بإقراض الولايات المتحدة بدولار قوي نسبيا، بينما يستردون هذا الدين بدولار ضعيف نسبيا، ولا شك أن ذلك سوف يؤثر في المستثمرين الرئيسيين في الدين الأمريكي مثل الصين باعتبارها أكبر مقرض خارجي للولايات المتحدة، ويهمها بالتالي آثار مثل هذا القرار على قيمة الدولار وعلى قيمة استثماراتها في الدين الأمريكي. مما لا شك فيه أن الصين ستحاول أن تمنع الولايات المتحدة من اتخاذ مثل هذه الخطوة، وقد حذرت الصين الولايات المتحدة بأنها تلعب بالنار إذا أقدمت على اللجوء إلى التوقف عن خدمة ديونها، ولكن هل تأخذ الولايات المتحدة مثل هذه التحذيرات على محمل الجد؟ ربما الإجابة هي لا، صحيح أن دائني الولايات المتحدة الرئيسيين وهم الصين واليابان والمملكة المتحدة سوف يحاولون إحداث نوع من التنويع بعيدا عن الدين الأمريكي إلا أنه قد لا يتاح أمام هذه الدول خيار آخر حاليا لاستثمار احتياطياتها الدولارية الضخمة، سوى الاستثمار في الدين الأمريكي، باعتبار أنه على الرغم من كل ما يحدث ما زال الملاذ الآمن لهذه الاستثمارات الضخمة.

سادسا: مع ميل معدلات العائد على الدين الأمريكي نحو التزايد فإن تكلفة خدمة الدين سترتفع على الميزانية الأمريكية وهو ما يؤدي بالولايات المتحدة إلى الدخول في الحلقة الخبيثة Vicious Circle للدين العام، ويقصد بالحلقة الخبيثة للدين العام أن ارتفاع حجم الدين العام الأمريكي في ظل الأسعار المرتفعة للفائدة يؤدي إلى زيادة تكلفة خدمة الدين العام وزيادة مستويات الإنفاق العام، هو ما يرفع من قيمة العجز في الميزانية العامة، وبالتالي زيادة الحاجة نحو الاقتراض، فارتفاع تكلفة خدمة الدين العام وزيادة مستويات الإنفاق العام والعجز والدين وهكذا سيدخل الاقتصاد الأمريكي في دوامة الديون، ما لم تتمكن الولايات المتحدة من السيطرة على نمو الدين العام ولجم الحاجة نحو الاقتراض من الجمهور (بمن فيهم الأجانب).

من المؤكد أن الولايات المتحدة والعالم يمكنهما تجنب كل هذه المخاطر من خلال استمرار الولايات المتحدة في الالتزام بخدمة الديون، وليس لدي أدنى شك في أنه سيتم التوصل إلى صيغة توافقية بين الإدارة الأمريكية والكونجرس حول سقف الدين، على الرغم من أن ذلك لن يحل المشكلة الهيكلية التي تواجهها الولايات المتحدة، وربما يكون الجمهوريون على حق في التأكيد على أهمية التعامل مع المشكلة الحقيقية للدين الأمريكي. فرفع سقف الدين لن يحل المشكلة، وإنما يزيدها تعقيدا، حيث ستشعر الحكومة الأمريكية بسهولة إمكانية اقتراضها من الخارج في ظل حقيقتين مهمتين؛ الأولى هي أن هناك طابورا طويلا من المستثمرين الدوليين المستعدين لشراء السندات الأمريكية، والحقيقة الثانية أن هؤلاء المستثمرين يقبلون إقراض الولايات المتحدة بمعدلات فائدة منخفضة جدا حاليا، ويؤدي انخفاض معدلات الفائدة إلى التقليل من تكلفة الدين على الولايات المتحدة وهو ما يشجع الولايات المتحدة على إصدار المزيد من تلك الديون. قضية رفع سقف الدين ليست إذن هي لب الموضوع، وإنما تكمن المشكلة الأساسية في لجوء الولايات المتحدة لرفع السقف بين حين وآخر ولمستويات أصبحت مرتفعة جدا حاليا، وبالتالي أصبح من المهم الآن بالنسبة للولايات المتحدة ضرورة البحث عن سبل تخفيض معدل نمو الدين العام ونسبته إلى الناتج المحلي الأمريكي، حتى لا يهدد ذلك قدرة الولايات المتحدة على خدمة ديونها على المدى الطويل.

* نقلا عن "الاقتصادية" السعودية.