المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تعرية نموذج “الإسلامي” المُتحول!!


eshrag
08-05-2011, 10:00 AM
في السنوات القليلة الماضية وخصوصًا بعد الأحداث الإرهابية والإجرامية التي لحقت بالبلاد بسبب الفكر المتطرف، برزت فئة ممن يطلق عليهم «المتحولون» أو «المنشقون» عن التيار الإسلامي المتطرف، هذه الفئة كان أعضاؤها من المنتسبين للتيارات الجهادية التي تسببت في هلاك الكثير من الأبرياء وتشويه صورة العرب والمسلمين في جميع أنحاء الكون. تم الترويج لأبناء هذه الفئة الجديدة على أنهم «حكماء» المرحلة الحالية (مرحلة ما بعد الإرهاب) وبُثت صورهم في الفضائيات والمؤسسات الإعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة بوصفهم «خبراء» كبار في معرفة التيارات الأصولية، وبوصفهم الضحايا القدماء الذين خرجوا سالمين من بطن «الوحش» الأصولي وها هم الآن يصفون ما لحق بهم من ظلمات في جوف ذلك الوحش المَريد.
والمتابع للأطروحات هذه يجدها لا تزال أصولية المحتوى والمضمون وإن اختلفت في الاتجاه، فنجد كاتبًا مثل مشاري الذايدي يصف أحد دعاة الديمقراطية العرب (حسن الترابي) في مقاله (نصيحة الترابي) بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 2 أغسطس بأنه «نموذج سيء ورديء لماهية تصرف المثقف الأصولي إذا وصل للحكم» وهو بنفس الوقت يهاجم القوميين العرب جميعًا دون تخصيص ويجعل منهم مجرد مرتزقة وسلفيين عروبيين وأنهم نسخ مكررة من القذافي، فهم -كقذافيين سلفيين عروبيين- حاقدون على الخليج «الذي يملك المال والاعتدال في السياسة الخارجية»! من مقاله المعنون: بالسلفية القومية (19 يوليو - الشرق الأوسط) وهذه الاختزالية التبسيطية لتيارات ضخمة لا تتوقف عند أعداء الذايدي الأيديولوجيين ولكنه يمنحها صبغة عرقية وأنثروبولوجية تتجاوز القضايا الشكلية والخاوية من المعنى كالصراع الإسلامي والعلماني وتتحول إلى نزعة عرقية ضد شعوب كاملة بعينها.
والمشكلة في هؤلاء أنهم يقحمون صراعاتهم الشخصية وعقدهم القديمة (الخاصة بالأيديولوجيات المحدودة الفاعلية كالإخوان المسلمين أو القوميين العرب) ويقومون بتضخيم وتهويل أدوارها الصغيرة والهامشية، وجعلها صراعات كونية وعالمية وكأن الكون لا يوجد فيه غير هاتين الكلمتين اللتين يسهل ترديدهما في كل واقعة (أقصد كلمتي إسلامي وقومي) ويمكن التنويع بسهولة على هذه الكلمات وإضافة أوصاف مكررة ترمز لذات المعنى كوصف سروري وقبطي وجامي مقابل وصف ناصري وبعثي وثورجي، والواقع أنه لا يوجد ناصريون في الوقت الحالي يحكمون في أي بلد من البلدان، كذلك فإن تصرفات حزب البعث في سوريا لا تمت للعروبة بصلة، وإنما هي مجرد شعار مرفوع لقمع الشعب وليس لنصرته أو تحقيق قضاياه الأممية والقومية، أما النظم الإسلامية فهي الأخرى محدودة التأثير والفاعلية ونماذجها تكاد تكون محصورة بدول لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، في عالم محكوم بأقطاب ضخمة وعملاقة تطحن الجميع وتجعلهم مجرد ذراري صغيرة تطير في فضاء العولمة الرأسمالية.
والواقع أن مثل هذه الكتابات تدعي الحياد والموضوعية ولكنها فجأة تتحول إلى قمة الأصولية والتطرف في رفض الآخر، فعبدالله بن بجاد يرى أن الإخوان المسلمين هم مجموعة من المتسلقين لسلم السلطة وكأن النظم الحرة والديمقراطية ترفض حق أي إنسان في التقدم والترشح للسلطة!، «استخدم القرامطة القدماء الدين كله لا القرآن وحده للوصول لقيادة الدولة، ويستخدم القرامطة الجدد نفس الأسلوب وذات الوسيلة، يتحدثون بالدين وهدفهم السياسة، يرفعون شعار العقيدة، ويضمرون غاية السلطة، وكما تسمى بعض رؤوس القرامطة القدماء بـ(الداعية) تسمى بعض القرامطة الجدد بذات الاسم. مع العلم أنه اسم لم يعرفه المسلمون في مطلع الإسلام» مقتبس من مقال عنوانه القرامطة الجدد، 18-10-2010.
ولا يوجد أسهل من اختزال الأسباب والعلل وحصرها في نموذج شيطاني معين، فيصبح الإسلاميون هم نكبة التاريخ والقوميون هم عتاولة العصور الحديثة، ويصعب أن نجد مقالًا من مقالات هؤلاء يخلو من الاختزالية الطفولية ورمي العلل -جميعها- على كاهل هذه الفرقة أو تلك (وهذا يُذكِّرنا بالممارسات والفتاوى البدائية التي ترمي بشرور الدنيا على اليهودي المتآمر أو المبتدع المخالف أو القرمطي العنهجي أو النصراني المنافق) ومثل هذا المنهج يتم تطبيقه عند المتحولين بدقة شديدة وإن اختلفت المفردات وتناقضت الأفكار.
إن ما يغفل عنه هؤلاء «الخبراء» أن دراسة أية ظاهرة متعلقة بنسيج المجتمع الإنساني هي دراسة تأخذ في عاتقها تعداد العلل والأسباب ضمن تنوعاتها الثقافية والاقتصادية والسياسية والدينية والتاريخية، ومحاولة اختزال العلل والأدواء بإطار ديني «بحت» أو قومي «خالص» هي محاولة محكومة بالفشل منذ البداية، وبدافع الجهل بمناهج العلوم الإنسانية والفلسفة بصورة عامة فإن الاختزال سيكون حتميًا، يضاف لذلك دوافع نفسية وتعقيدات شخصية تجعل من شخص الكاتب محور الكون وكأن مشاكله الشخصية هي مشاكل بلد بكامله، بينما الواقع نفسه يزخر بالمشاكل المتعلقة بالاقتصاد وهموم المعيشة، وكذلك الفشل السياسي الذريع الذي لا يتعلق بأيديولوجية معينة، وإنما يتعلق بتغليب أطماع شخصية ومصالح فردية على حساب أمة بعينها، أمة تتشكل من الإسلامي والعروبي والحضري والبدوي والشمالي والجنوبي والأبيض والأسود، أمة لا تتركب من صراعات أيديولوجية، وإنما من بشر تتعدد أطيافهم بتعدد أفرادهم!
والثرثرة المبالغ بها بخصوص الإرهاب أو العنف الجهادي المسلح في مرحلة الثورات الحالية التي طوت خرافة الإرهاب وتجاوزتها هي ثرثرة من لا يملك سوى بضاعة كاسدة يريد الترويج لها بسعر زهيد، فمهما تكاثرت الكلمات وتعددت المقالات نجد أن العلة -عند المتحولين- هي قاصرة فقط على الإخواني والقومي، وهنا نجد أنفسنا أمام تفسير مثالي للتاريخ: فالتاريخ يتكون من الأفكار فقط، ولا يوجد إلا فكران موجودان على أرض الواقع أو ثلاثة أفكار على الأكثر، تتصارع فيما بينها والجميع هم فقط مجرد متفرجين على هذا الصراع لا حول لهم ولا قوة بإزائه، الجميع يتم إلغاء وجودهم، والإبقاء على شيطان واحد يتلاعب بمصير كل ما حولنا.

تعرية نموذج “الإسلامي” المُتحول!!
الجمعة 05/08/2011
طريف عيد السليطي