تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : تكهمست في مشيتي ...


eshrag
05-31-2012, 08:20 PM
قررت أن ألبس لبس الأعراب قديما – كما في المسلسلات- وأن أتخيل أني رجل جاء من القرن الهجري الثاني, وأن أتكهمس في مشيتي وأنا أجوب السوق لأنظر أحوال الناس (والتكهمس يظنها الناس لهجة عامية بينما هي صحيحة فصيحة فالكهمس هو الأسد وهو قبيح الوجة, والكهمسة حسب ما جاء في القاموس المحيط هي: تَقارُبُ ما بينَ الرِّجْلَيْنِ، وحَثَيَانُهُما التُّرابَ. وهي لعمري وصف لمشية الطاعن في السن, ولذا نقول لمن نرى الزمن قد أرهقه واعتلت صحته : (فيك تكهمسته) !!
دخلت السوق وأنا أسير متكهمسا .. وكنت قد رأيت على بوابة الدخول دعاء دخول السوق فحمدت الله .. أخذت انتقل من ممر لآخر .. أنظر في وجوه الناس .. وأتأمل أحوالهم .. رأيت عجبا : ماهم بأمة محمد.. ماهم بأمة محمد .. وجوه حائرة.. عيون زائغة.. أجساد مرهقة مترهلة.. ملابس فاضحة ..هؤلاء قوم غزاهم فكر الإرجاء .. قوم يظنون أن النطق بلا إله إلا الله محمد رسول الله قد منحهم صفة الإسلام في الحياة الدنيا وسيدخلون بها الجنة مهما كانت أعمالهم وأفكارهم .. قوم يبدو أنهم يحصرون العبادة في شعائر التعبد من صلاة وصيام وحج وزكاة, فما كان من أعمال بين العبد وربه أسموه عبادة, وماكان بينهم وبين الناس اعتبروها من الأعمال الدنيوية ومن أخلاق الشخص التي لاعلاقة لها بالدين ..
هالني ما رأيته بالناس فوقعت على الأرض .. اجتمع الناس حولي وهم لايعرفون ماذا يصنعون .. بل ينظرون إلى بغرابة .. نهرتهم بقولي : مالكم تكأكأتم على كتكأكئكم على ذي جنة افرنقعوا عني, فقالوا هذا رجل جاء من الهند ولاندري بماذا : يقرقر !! .. عذرتهم فلباسي ربما شابه قدماء الهنود وما قالوه عما قلته قد قاله أيضا بعض الأعراب قبلهم.. فعندما سقط عيسى بن عمر النحوي عن حماره اجتمع الناس إليه فقال :مالكم تكأكأتم على كتكأكئكم على ذي جنة افرنقعوا عني, فقالوا : إنه رجل ممسوس وشيطانه هندي !! .. لم يعلموا أنه أستاذ سيبوية والخليل الفراهيدي وغيرهما, وأنه صاحب مؤلفات كثيرة ولكنها احترقت ولم يبق منها إلا (الجامع والإكمال) وقد قال الخليل بن أحمد :
ذهب النحو جميعا كله ...غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع ... وهما للناس شمس وقمر
أنا أيضا عذرت من في السوق عندما لم يعرفوا أني التحليل الحقيقي صاحب المقالات والآمالي الفريدة في شباك العنكبوت !! .. استجمعت قواي ونهضت .. مشيت قليلا فإذا بفتاة ترسل أشعة عيونها إلى الناس.. وتسبي بوجهها أعينهم .. عجبت لمن منحه الله جمالا ثم يستعمله في معصية الله .. ومع ذلك فقد برطخت (لم أجد لها معنى في القواميس).. برطخت في الممر الذي كانت فيه الفتاة لأنظر إليها كلما غدت أو راحت .. تبادر إلى ذهني أنها قد تكون من نسل راحيل وهي أجمل جميلات النساء.. وراحيل هذه هي زوجة يعقوب عليه السلام .. فقد خطبها يعقوب من أبيها لابان (خاله) على أن يخدمه سبع سنين لكن لابان أدخل له الأخت الكبرى ليلة الزواج وكان اسمها ليثة .. فكلم خاله فقال: أخدمني سبع سنين أخرى لأزوجك من راحيل وكان الجمع بين الأختين في شريعتهما ليس محرما .. فخدمه وتزوج راحيل التي أنجبت له سيدنا يوسف عليه السلام ثم أنجبت بنيامين... برطخت في الممر متصنعا طلب الراحة .. لكني أدركت أن الشيطان هو من أغراني وأوهمني فرأيت ألا أمنح عدوي فرصة النيل مني .. استعذت بالله منه وظللت أجوب السوق .. رأيت ملابس ومجسمات فاضحة .. قلت لصاحب الدكان : ياهذا أين الحياء !! قال : رووح رووح انقلع ما تكفينا الهيئة .. تأكد لي ظني بهم وبحالهم ..علمت أن كثيرا منهم أصبح يرى الدين معوقا للحضارة, وان معيار الرقي لديهم هو الحضارة وليس الدين.. لم يتنبهوا أن الفساد الخلقي وماتبعه من انتشار للفواحش والمخدرات والجرائم كان ثمرة يانعة من ثمار حضارة جاهلية بلا دين .. حاولت إحسان الظن بهم ولكن كيف أحسن الظن وكيف أعتذر عن قوم يسمعون كلام الله فيزورون عنه ويتخذون المعيار الغربي بدلا عنه.. إن الإسلام لايفترض في الناس المناعة والجو موبوء بالجراثيم, ولكنه يكافح الجرثومة في ذات الوقت الذي يربي فيه القلوب ولذا يكون المجتمع المسلم أقل مجتمعات الأرض جريمة..

خرجت من السوق وكلي أسف وحزن .. انطلقت بسيارتي مسرعا نحو البيت وأنا أردد : نعلبو واحدن ما يحمل السيف ويناضل لها .. سأحمل سيفي في وجه من لايجعل الدين أساسا للبناء الحضاري حتى يقضي الله أمر كان مفعولا..


المصدر... (http://www.alriyadh1.com/vb/f3/t191213.html)