المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقابل كل ملياردير مليون فقير


فتى ممنا
07-04-2009, 11:05 AM
(((( بسم الله الرحمن الرحيم ))))

في عديد من الآيات يوضح لنا القرآن الأثر الوبيل والمدمر للنفس الإنسانية، عندما يسيطر عليها الاستحواذ علي المال والتكاثر فيه، وكيف أن هذا الأثر يصل إلي درجة يؤمن معه صاحبه بأنه مخلد، وإذا ظن أحد أنه مخلد، فمعني هذا أنه يتصور نفسه إلهًا يفعل ما يشاء ولا يوقفه منطق أو ضمير ولا يسائله أحد، فيحطم بذلك مبدأ مقررًا وواقعًا ولا مفر منه،

وأن الخلد لله وحده، وقد كانت شجرة الخلد، وليست كما تروي نصوص دينية أخري شجرة المعرفة، هي التي أمر الله تعالي آدم ألا يقربها، لأنه إن قربها وتصور أنه مخلد فسيظن نفسه إلهًا يفعل ما يشاء، ولخص المعني علي طريقة القرآن في كلمات معدودة «الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ* يحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ» (الهمزة : ٢، ٣).

وقدم القرآن عدة صور وصفية بلغت الغاية من الدقة والروعة للإنسان عندما تتملكه ضراوة المال، فهذا رجل تعجبه حديقتــه الفيحاء وأرضه الخصبة وما سـتدر عليه من مال وفير، فيقدر نفسه فوق قدرها، ويثير هذا الإسراف في التقدير في نفسه نشوة، بل جنوناً، فيعتقد أن أمواله لن تفني، وأن حديقته لن تبيد، وإذا كان كذلك فسيخلد، وإذن لن تقوم القيامة ولئن قامت ليكونن فيها خيرًا مما كان في الأولي.

«…فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا* وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا* وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَي رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيراً مِنْهَا مُنقَلَبًا» (الكهف : ٣٤ـ ٣٦).

وهؤلاء ثلة تدركهم ضراوة الجمع، وكلب الاكتناز وما يتطلبه ذلك من بخل وشح، وضن بالإنفاق حتي علي الفقير، ورفض الإحسان، حتي بالنقير يهرعون ــ متخافتين ــ ليجمعوا ثمار مزارعهم الواسعة، حذرين أن يدخلن عليهم مسكين، متخافتين خشية أن يسمعهم غريب أو عابر سبيل، ويمدهم الحرص والطمع بقوة فيغدو علي حرد قادرين، ولا يقبلون استثناء، كأن قد ملكوا كل شيء!

«إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ* وَلا يسْتَثْنُونَ* فَطَافَ عَلَيهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ* فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ* أَنْ اغْدُوا عَلَي حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ* فَانطَلَقُوا وَهُمْ يتَخَافَتُونَ* أَنْ لا يدْخُلَنَّهَا الْيوْمَ عَلَيكُمْ مِسْكِينٌ* وَغَدَوْا عَلَي حَرْدٍ قَادِرِينَ» (القلم: ١٧- ٢٥).

وهذا قارون يعتز بكنوزه وأمواله، ويخرج علي الناس مزهوًا بزينته وموكبه، فإذا نصح له الناس بالقصد غضب، وصعر خده وزعم ــ ككل رأسمالي ــ إنما أوتيته علي علم، وأنه حر يفعل ما يشاء، وهكذا المال يجعل النصح ثقيلاً عقيمًا ويدفع صاحبه إلي العناد والكبرياء.

«إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَي فَبَغَي عَلَيهِمْ وَآتَينَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يحِبُّ الْفَرِحِينَ* وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يحِبُّ الْمُفْسِدِينَ* قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَي عِلْمٍ عِندِي…» (القصص: ٧٦، ٧٨).

وهذا صحابي فقير يفسده المال، تتطلع إليه نفسه وتستشرفه، ويزين له الشيطان أنه إنما يطلبه لنصرة الله ورسوله، فيطلب إلي الرسول صلي اللّه عليه وسلم أن يدعو الله له أن يغنيه، ويدعو الرسول صلي اللّه عليه وسلم له بما أراد، ويستجيب الله لسؤال الرسول، وتضيق المدينة ذات يوم بغنم «ثعلبة» فينتقل إلي واد من وديانها وتشغله أمواله شيئاً فشيئاً فيتخلف عن بعض الصلوات، ثم يتخلف عن الصلوات العامة كلها،

فلا يشهد إلا الجمعة، ثم لا يشهدها، والمال يتزايد ويتكاثر وتزيد منزلته والوقت المخصص له قدر زيادته، حتي إذا أتاه «رسول» النبي صلي اللّه عليه وسلم يطلب منه الزكاة لم يجد ثعلبة القديم، ولم ير سماحة الصحابي أو يسمع امتثال المؤمن، وإنما شاهد الضيق الذي ينتاب كل ثري عند المطالبة!

وسمع صيحة الغضب للمال «..إن هذه إلا جزية.. ما هذه إلا أخت الجزية؟..»، وأرجأ الرسول صلي اللّه عليه وسلم، وضن علي المسلمين ببعض ماله.

إن ضراوة الربح تدفع صاحبها وتجعله أسيرها فلا يري شيئاً إلا المال، ولا يشغل بشيء إلا بالاستحواذ عليه، يومًا بعد يوم وشهرًا بعد شهر وسنة بعد سنة، لا يفيق ولا يتنبه حتي يجد نفسه جثة تحمل إلي المقابر «أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ* حَتَّي زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ* كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ* ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ* كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيقِينِ* لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوْنَهَا عَينَ الْيقِينِ* ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ» (التكاثر: ١ــ٨).

وأي وعيد يمكن أن يؤثر في الأغنياء مثل ما يقرأ في القرآن ليل نهار، لا يرتدعون، ولا يفكرون، ولا تتملكهم خشية، ولا يثنيهم عذاب «…وَالَّذِينَ يكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا ينفِقُونَهَا فِي سَــبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّــرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يوْمَ يحْمَي عَلَيهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَي بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ» (التوبة: ٣٤، ٣٥).

المأساة أن الأثر المدمر للاستحواذ لا يقتصر علي صاحبه، لأن ضراوة الربح تدفع صاحبه لأن يغزو الحكم، وهو لا يعجز عن إرشاء المسؤولين وإغراقهم بفيض من ماله، بالملايين عند الضرورة لأنه يعلم أنه عندما يصل للحكم، فسيضع يده علي الكنز الذي لا ينفد ولا تعد مغارة علي بابا- بجواهرها وياقوتها وماسها وذهبها- شيئاً مذكورًا،

ويجد نفسه في عشية وضحاها حاكمًا بأمره عن يمينه ثروات لا تكاد تعد ولا تحصي، وعن شماله مطالب الترف ورغبته في التكاثر لا تكاد تنتهي فيعمل كالساقية يفرغ من ثروات الشعب ليضمها إلي ماله لا هذه تنفد ولا تلك تشبع، ثم لا يقنع بالمال، ولكن يريد «الجاه» يريد الحكم، بل يصل إليه.

وعندما يصبح الحكم، وهو قمة الأمانة والمسؤولية، مركبًا لأصحاب الأموال ونهبًا لرجال الأعمال، فهذا بالطبع نهاية الحكم، واقرأ الآيات : «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا» (الإسراء: ١٦)

لقد شهدت القاهرة صورة عملية للأثر الوبيل للأموال علي شخصية صاحبها فيما حدث للاقتصادي المعروف هشام طلعت مصطفي الذي نشأ من عائلة مكافحة عرفت بالترابط الأسري، ولكنه عندما أصبح مليارديرًا مسخته القناطير المقنطرة من الذهب والفضة فأصبح شخصًا آخر يسلك أسوأ المسالك،

ويصدر أبشع القرارات، ولا يتبين مخالفتها الصريحة للقانون وللإسلام، بل ما يمكن أن تؤدي إليه من التضحية بمستقبله، لأن أمواله استحوذت عليه، ولم تترك له عقلاً ولا فكرًا.

وليست حالة السيد هشام طلعت مصطفي بالفريدة، ففي الفترة التي كانت الصحف توالي نشر أنباء مأساته أوردت قصة طبيب ناجح متميز في تخصصه له ثلاث عيادات، كل عيادة منجم ذهب حتي أصبح مليونيرًا، وأعطي جزءًا من ماله ليستثمرها له تاجر يعمل في الأدوات الهندسية والميكانيكية، ويبدو أن الرجل تعثر فاشتدت الخلافات،

وأعاد إليه جزءًا من ماله، ولكنه طالب بالباقي، وواعده الرجل لقاءه لمحاولة التسوية ودفع إليه جزءًا آخر وبدلاً من أن يشكره أو يقدر ظرفه أو يتذكر قول الله: «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَي مَيسَرَةٍ…» (البقرة- ٢٨٠)، فقد جن جنونه لأنه كان يريد ماله كاملاً، وتملكته ضراوة المال فأخرج مسدسه وأطلق عليه رصاصة قتلته فورًا، وأراد التخلص من الجثة فأخرج منشارًا كهربائيا طبيا قطع به الجثة أجزاء ووضعها في أكياس،

وعند أذان المغرب والناس جميعًا في بيوتهم يفطرون والشوارع خالية خرج بسيارته فقذف ببعض الأكياس في أماكن مختلفة، وعثر عليها في اليوم التالي وتعرف البوليس واهتدي إلي القاتل الذي أصبح مجرمًا أثيمًا بعد أن كان طبيبًا محترمًا، وأودع السجن في انتظار قضاء قد يجعله يمضي حياته في ظلمات السجن إن لم يحكم عليه بالإعدام.

فهذه صورة أخري من جنون المال الذي يتملك أصحابه ويجعلهم يسلكون ما يؤدي بأنفسهم إلي الهلاك.

alfares
07-04-2009, 02:51 PM
جنون المال جنون قااااااااتل ان لم يكن صاحب المال ذو عقل كبير

فتى ممنا

ابدعت واجدت


دمت لاشراقك

ضجيج الصمت
07-05-2009, 12:39 AM
مثل شعبي(الفلوس تغير النفوس)
وكلما زاد المال زاد الطمع والجنون ..

موضوع رائع للغاية..
دمت بخير.