تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فيلم Arrival.. حيرة العالِم وعبء المعرفة


eshrag
12-21-2016, 09:14 AM
http://www.alriyadh.com/media/cache/12/57/12573da0f38df1fa3050a4b65c931e3d.jpgرغم وعورة المنطقة التي اقتحمها المخرج البريطاني كريستوفر نولان في فيلمه Interstellar قبل عامين، ومحاولاته الحثيثة لصنع فيلم خيال علمي فلسفي يضاهي ما فعله ستانلي كيوبريك في رائعته "أوديسا الفضاء"، إلا أنه فشل في تقديم محتوى سلس يدركه الشعور ويستوعبه الحس، بسبب إيغاله في سرد المفاهيم العلمية المجردة، التي قفزت على الحدث ذاته وكانت عاملاً رئيساً في تشويش ذهن المتفرج وإرباكه. بينما يفترض بالسينما، وبالفنون عامة، أن تعزف على وتر الشعور، فتبني أحداثها على أساس التأثير في مشاعر المتفرج قبل عقله، وهذا ما تنبه له جيداً المخرج الكندي الشاب دينيس فيلينوف في فيلمه الجديد "وصول-Arrival" الذي يعد أحد أفضل أفلام عام 2016 وأكثر أفلام الخيال العلمي ذكاءً وتأثيراً.

يقتحم فيلنيوف هو الآخر منطقة علمية وعرة يسبح فيها مفهوم البعد الرابع أو الزمن بكل تعقيداته العقلية لكن دون الولوج في التفاصيل ودون إرهاق المتفرج بالأرقام والمعادلات، مكتفياً بحدث بسيط يُقرّب المفهوم ويجعله مدركاً ومحسوساً بالشعور فحسب، فيصبح المتفرج -بشعوره وإحساسه- في مكان إينشتاين -مثلاً-، يشعر كما يشعر العالم الشهير، ويحس بنفس إحساسه تجاه الزمن، حتى لو لم يفهم سر الأرقام ولا طبيعة المعادلات.

يروي الفيلم قصة عالمة لغات تتم الاستعانة بها من أجل التخاطب مع مخلوقات فضائية غزت الأرض وحطت رحالها في أميركا وفي مناطق أخرى من الكرة الأرضية، ويُطلب منها أن تفهم لغة هذه المخلوقات وأن تبتكر وسيلة اتصال معها خلال فترة وجيزة؛ ولو أخذنا الفيلم من ظاهره فسيبدو مجرد فيلمَ غزوٍ فضائيٍ آخر يحاول أبطالُه إنقاذ الأرض من المخلوقات الغازية، لكن الفيلم يذهب إلى أبعد من ذلك، ويجعل حتى هذه المخلوقات رمزاً للمجهول "المستقبل-العلم-الزمن"، ويعرض مغامرة الإنسان لاقتحام هذا المجهول والحصول على المعرفة مهما كانت التضحية.

الشخصية الرئيسية في الفيلم، العالمة لويس بانك، التي أدت دورها الممثلة آمي آدامز، تجد نفسها مرغمة على دخول المركبة الفضائية ومواجهة المخلوقات الغامضة ومحاولة فهم إشاراتها السوداء الغريبة التي تنفثها بيدها على صفحة زجاجية. لكنها مع ذلك تجد صعوبة في معرفة السبب الرئيسي لمجيء الغزاة إلى الأرض، هل من أجل السلام أم الحرب؟. يسبح هؤلاء الفضائيون في مركبتهم داخل ضباب أبيض يبقيهم غامضين وبلا شكل واضح محدد، وهذا يشبه ما فعله المخرج فرانك داربونت عام 2007 في فيلم The Mist وقبله بسنوات المخرج جون كاربنتر في فيلم The Fog عندما جعلا الغزاة في موضع غامض لا يظهرون ولا يتلاشون إلا بحسب حالة أبطال الفيلمين، في تجسيد رمزي لهذه الحالة، وهنا يفعل دينيس فيلنيوف ذات الأمر فيجعل مخلوقاته رمزاً لمجهول ينبغي على الإنسان أن يفهمه.

لكن لهذا الفهم ولهذه المعرفة ثمن لابد من دفعه، ويتجلى ذلك في العبء النفسي والذهني الذي أرهق البطلة وجعلها تتردد في إكمال رحلتها. إنه عبء المعرفة الذي يحيل حياة العلماء إلى جحيم عندما يكشفون المستور ويدركون حقيقة مصيرهم، ومع ذلك يكملون الطريق بكل حب ورضا، متجاهلين ما ينتظرهم في المستقبل من ويلات ومآسي.

بهذا الفيلم يضع دينيس فيلينوف نفسه واحداً من أهم المخرجين المعاصرين، معززاً نجاحاته السابقة التي حققها منذ أن قدم فيلمه الطويل الأول عام 1998 مروراً بفيلمه المميز Polytechnique الذي أخرجه عام 2009 وحكى فيه قصة حقيقية لشاب كندي كاره للنساء اقتحم جامعة مونتريال وقتل الطالبات في مشهد دموي مفزع، وانتهاء بأفلامه الهوليودية "سجناء-Prisoners" وEnemy وSicario، التي قدم فيها صنعة سينمائية متقنة في شكلها ومضمونها.

http://www.eshrag.org/media/upload/28eb64a5813bec05c520394ce65f73bf_14820827498430222 00.jpg



أكثر... (http://www.alriyadh.com/1556371)