المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حياة المهدئات والمسكنات ... آه يا قلبي !!! موضوع جدير بالفعل ان تقرأه بل وتحفظه


اشراق العالمrss
01-29-2009, 11:34 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد..

http://www4.picturepush.com/photo/a/1359267/480/Picture-Box/441904256-cc2ce0d60c.jpg?v0

فقد ماج صدر هذه الأمة وعلا همة وحماساً وحباً في نشر الخير ورحمة بالبشر وطمعاً في فضل رب العالمين وخوفاً من غضبه وسخطه وعقابه..
ماج ذاك البحر الزاخر بجواهر التقوى حتى غمر مده المشارق والمغارب ودخل الناس في دين الله أفواجاً.. ماج ردحاً طويلاً من الزمن حتى أدركته سُنة الجزر.. فهدأت رياح الخير شيئاً فشيئاً ونشطت عواصف الشهوات والشبهات الباردة.. حتى سكن البحر وتجمدت بعض أطرافه وجف المشرق والمغرب وانقطع كثير ممن أشرع المراكب فيه.. فخرَّق الهوى مراكب التقوى وقطَّع حب الدنيا شراع مجاهدة النفس.. وصارت المهدئات والمسكنات شعار كثير من أفراد هذه الأمة..
وصاروا يعيشون حياة بعيدة عن العلاقة الوثيقة والحبل المتين والصلة برب العالمين.. حياة ضنك وضيق نفسي وإن رآهم الطرف يلهون ويلعبون ويأكلون ويشربون فالروح في عناء.. لا طعم للعيش عندها ولا هناء..
ومهما لعبوا وسافروا ومتعوا أبدانهم فإن أحدهم لا يستطيع أن يخلو بنفسه ساعة.. لوحشة روحه وشقاء نفسه.. فهو لا يحيا إلا بمهدئات الروح (الشهوات).. فلا يكاد يترك شهوة حتى يشرع في غيرها فيبقى في لهو وغفلة إلى أن يشاء الله.. ويتنامى مع وجله الضجر حتى يمل صحبه ولعبه وشهوته من كثرة ملابستها وما إن ينقطع عنها إلا ويحس بجحيم الروح ووحشة الذات.. فإن طال به الأمر آل إلى الانتحار..
قال ابن القيم رحمه الله: (سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة" إذا كانت الملائكة المخلوقون يمنعها الكلب والصورة عن دخول البيت فكيف تلج معرفة الله عز وجل ومحبته وحلاوة ذكره والأنس بقربه في قلب ممتلىء بكلاب الشهوات وصورها).
وتأملوا قول التائه المسكين لما بلغ نهاية الضياع وعرف أن حقيقة الدنيا متاع:
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مَنْ جُسُومِنَا ... وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ
فسبحان الله.. بحثوا عن السعادة في طريق الإعراض عن الله فكان لهم الضنك وعقبوا بنقيض ما عصوا الله به حيث توسعوا في المحرمات فضيق الله عليهم في الدنيا بوحشة الروح وفي الآخرة في نار جهنم في الأرض السابعة في ضنك وشدة وانحطاط ..
وفي المقابل لما منع الصالحون أنفسهم من كثير من الشهوات وضيقوا على هواهم بالصبر والمجاهدة وسع الله عليهم بالراحة والطمأنينة والمسرات في الدنيا قبل الآخرة.. فليست السعة الحقيقة هي سعة المركب والمسكن وكثرة المال.. لا والله ليس في هذا ميزة.. إنما هي متعة قليلة محدودة يشترك فيها الكافر والبر والفاجر..
فخصهم الله في الدنيا بأحلى نعيم كما خصهم في الآخرة بالجنة دار القرار.. فعاشوا الدنيا براحة غامرة وقلوب عامرة بالسكينة والطمأنينة والأنس بالله.. فهم لا يخالطون الناس هرباً من الوحدة لأنهم يستمتعون بها ولكنهم يخالطون الناس لينفعوهم ويحسنوا إليهم..
قال الإمام أحمد رحمه الله لما هدد بالسجن: لست أبالي بالحبس ما هو ومنزلي إلا واحد.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله وهو في السجن: ما يفعل أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي، إن سجني خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة.
قيل لبعض السلف: إذا هجَرْتَ الخلق مع مَن تعِيش ؟ قال: مع مَن هجرتُهم لأجله.
وقيل لمالك بن مِغْوَل رحمه الله وهو جالس في بيته وحده: ألا تستوحش؟ فقال: ويستوحش مع الله أحد؟!
وقال مسلم بن يسار رحمه الله: ما تلذّذ المتلذِّذُون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل.
وقال الفُضيل رحمه الله: طوبى لمن استوحش من الناس وكان اللهُ جليسَه.
وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أعلى الدرجات أن تنقطع إلى ربك وتستأنِس إليه بقلبِك وعقلك، وجميع جوارحك حتى لا ترجو إلا ربَّك، ولا تخاف إلا ذنبك، وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤثر عليها شيئاً، فإذا كُنتَ كذلك لم تُبالِ في بَرٍّ كنتَ أو في بحر أو في سهل أو في جبل، وكان شوقك إلى لقاء الحبيب شوق الظمآن إلى الماء البارد وشوق الجائع إلى الطعام الطيّب، ويكون ذكر الله عندك أحلى من العسل وأحلى من الماء العذب الصافي، عند العطشان في اليوم الصائف.
قال بعض السلف: مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا:وما أطيب ما فيها؟ قال:محبة الله والأنس به والشوق إلى لقائه والإقبال عليه والإعراض عما سواه.
وقال آخر: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً.
وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.
وأكل إبراهيم بن أدهم مع أصحابه كِسَراً يابسة ثم قام إلى نهر فشرب منه بكفّه ، ثم حمد الله وقال: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا عليه بالسيوف أيّام الحياة ، على ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلة التعب" فقال بعض أصحابه: يا أبا إسحاق طلب القوم الراحة والنعيم فأخطأوا الطريق المستقيم فتبسّم ثم قال: مِن أين لك هذا؟
أهل المحبّة قومٌ شأنهم عجبُ
سرورهم أبدٌ وعيشهم طرَبُ
العيش عيشهمُ والمُلك ملكُهمُ
ما الناسُ إلا هُم بانوا أو اقتربوا

قال ابن القيم رحمه الله معلقاً على الأبيات التالية:
لقد كان يسبى القلب فى كل ليلة ثمانون بل تسعون نفساً وأَرجح
يهيم بهذا ثم يأْلف غيره ويسلوهم من فوره حين يصبح
وقد كان قلبى ضائعاً قبل حبكم فكان بحب الخلق يلهو ويمرح
فلما دعا قلبى هواك أَجابه فلست أَراه عن خبائك يبرح
حرمت الأَمانى منك إِن كنت كاذباً وإِن كنت فى الدنيا بغيرك أَفرح
وإِن كان شيء فى الوجود سواكم يقرَّ به القلب الجريح ويفرح
إِذا لعبت أَيدى الهوى بمحبكم فليس له عن بابكم متزحزح
فإِن أَدركته غربة عن دياركم فحبكم بين الحشا ليس يبرح
وكم مشتر فى الخلق قد سام قلبه فلم يره إِلا لحبك يصلح
هوى غيركم نار تلظى ومحبس وحبكم الفردوس أَو هو أَفسح
فيا ضيم قلب قد تعلق غيركم ويا رحمة مما يجول ويكدح
(والله سبحانه لم يجعل لرجل من قلبين فى جوفه، فبقدر ما يدخل القلب من هم وإِرادة وحب يخرج منه هم وإِرادة وحب يقابله، فهو إِناءٌ واحد والأَشربة متعددة، فأَى شراب ملأَه لم يبق فيه موضع لغيره، وإِنما يمتليء الإناءُ بأَعلى الأَشربة إِذا صادفه خالياً، فأَما إِذا صادفه ممتلئاً من غيره لم يساكنه حتى يخرج ما فيه ثم يسكن موضعه، كما قال بعضهم:
أَتانى هواها قبل أَن أَعرف ... الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا
ففقر صاحب هذه الدرجة تفريغه إِنائه من كل شراب غير شراب المحبة والمعرفة، لأَن كل شراب فمسكر ولا بد، و"ما أَسكر كثيره فقليله حرام"، وأَين سكر الهوى والدنيا من سكر الخمر، وكيف يوضع شراب التسليم -الذي هو أَعلى أَشربة المحبين- في إِناءٍ ملآن بخمر الدنيا والهوى ولا يفيق من سكره ولا يستفيق، ولو فارق هذا السكر القلب لطار بأَجنحة الشوق إِلى الله والدار الآخرة، ولكن رضي المسكين بالدون، وباع حظه من قرب الله ومعرفته وكرامته بأَخس الثمن صفقة خاسر مغبون، فسيعلم أي حظ أَضاع إِذا فاز المحبون، وخسر المبطلون).

فهيا أفق أيها الحبيب وانتفض من هذا الغفلة فأنت أهل للجنة المنزل الأول الذي هبط منه أبونا آدم وأمنا حواء عليهما السلام والمنزل الأخير الذي تستقر فيه رواحل المؤمنين..

فحي على جنات عدن فإنها ... منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود إلى أوطاننا ونسلم
وحي على روضاتها وخيامها ... وحي على عيش بها ليس يسأم
وحي على يوم المزيد وموعد ال ... محبين طوبى للذي هو منهم
وحي على واد بها هو أفيح ... وتربته من أذفر المسك أعظم
ومن حولها كثبان مسك مقاعد ... لمن دونهم هذا الفخار المعظم

موضوع أعجنب فنقلته لكم