المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النبات يناجي البنفلاج !


حقيقة لا خيال
09-17-2009, 04:24 PM
النبات يناجي البنفلاج !

http://www.nazme.net/photos/Castanea_sativ2.jpg





بقلم : د . نظمي خليل أبو العطا




لم أكن أتصور وأنا أقوم بدراسة علمية نباتية عن الأشجار والشجيرات في البحرين عام 1990م أن هذه الأشجار سوف تبوح بسرها الجمالي الذي أراه بعين المتخصص في النبات ، وقد قلت للناس في كتابي ( إعجاز النبات في القرآن الكريم ) كما قال نهمياجرو معلقاً على قطاع عرضي في الخشب الثانوي لنبات الماس الأمريكي : ( إن مادة القطاع جميلة حتى إن دودة الحرير لا تستطيع أن ننسج ما يدانيها جمالاً ، وأن من يحمل عصا يتوكأ عليها ، مهما يكن خشبها متواضعاً ، فإنما يمسك قطعة من ( خلق الله ) تفوق بمراحل أتقن نسيج في الدنيا أبدعته يد صناع في أشغال الإبرة ) .

بهذه الصورة الرائعة ، وبهذه الكلمات المبدعة ، صور العالم (إيمز) كتابه العظيم ( تشريح النبات ) وقد كنت أعرض هذه الصورة وأمثالها على الناس لأقول لهم : { هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } [لقمان : 11] ، وظللت أقول وأقول فكان كلامي محدوداً في تأثيره ، وفي عدد المستمعين إليه في البحرين وغيرها وظللت مصمماً على بيان عظمة الله في خلق النبات ، وكأني أنحت في الصخر ، أسير بطيئاً وسط عالم تحجزني عنه مصطلحات العلوم وبوار تجارته في ديار المسلمين ، وظللت آمل أن يرى الناس بديع صنع الله في عالم النبات ، وفجأة دعيت إلى المعرض الأول للنحت الخشبي للفنان المؤدب (فؤاد على البنفلاح) يوم 14/1/2007 ففوجئت أن الفنان فؤاد البنفلاح قد حقق لي أمنية طالما حلمت بها ، ورأيت جذوع الأشجار قد باحت له بأسرارها الفنية وساعدته على كشف خفاياها التشريحية ، وشاهدت متحفاً قد حوّل تلك الجذوع المتواضعة إلى قطع فنية غاية في الروعة والجمال ، ولأول مرة أرى الجميع قد أجمع على روعة المعروضات بفنها الدقيق ، وإبداعها الفريد .
تلمست المعروضات بيدي وكأني أقول لها : ها أنت أخيراً بحت بجمالك وتناجيت مع الحبيب فؤاد البنفلاح ، وعندها أيضاً علمت سر تغيبه الطويل عن مجالسنا حيث كنت أسأل نفسي : يا ترى ماذا يفعل هذا الصديق الحبيب ؟! ولم أكن أعلم أنه يكمل المشوار الذي بدأته أنا مع الأشجار والشجيرات في البحرين ، ويتواعد معها وتحبه ويحبها وتطاوعه أن ينحت منها القطع الفنية الرائعة التي أبهرت الجميع في المعرض الأول للنحت الخشبي للفنان رقيق القلب فؤاد البنفلاح ، وتذكرته وهو يحتضنّي في الطريق من منى إلى الجمرات ، ويساعدني على السير في أمان حيث لمست منه رقة عجيبة ، وكأنني ابنه الصغير يحتضنني خوفاً عليّ من الضياع في الزحام ، وكنت أستغرب من هذا القلب الرقيق ، ولكن عندما رأيت معروضاته تأكدت أن هذه الخصال مركوزة في جيناته الوراثية وأن الله سبحانه وتعالى علمه سر الأغصان فناجاها بيد الفنان لنقول جميعاً لتلك المعروضات ، سبحان الله {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [لقمان : 11] .
إنه درس عملي للمضيعين للأوقات ، ودرس ميداني لأهمية البحث عن المبدعين في ديارنا وإعطائهم الفرصة لإبداعاتهم وإسعادنا بنعم الله عليهم وعلينا .
كم من المبدعين تاهوا في مدارسنا المنشغلة عنهم بالأنشطة الصورية والمناهج الدراسية التي غفلت عن إبداعهم ، والخلط بين التحصيل الدراسي والإبداع .
المبدعون هم قاطرة الأمة نحو النهضة الحقيقية ، ولكننا انشغلنا عنهم بأمور لا تمت للإبداع بصلة ، ففي مدارسنا لا مكان للإبداع والمبدعين .
إن مسؤولية الكشف عن المبدعين عظيمة ، وليس كل من كتب نظريات عن الإبداع بقادر على تربية الإبداع ، ولا كل من حصل على الدرجات والشهادات هو من المبدعين .
لقد أسعدنا الفنان فؤاد البنفلاح بإبداعاتهم الفنية ، فهل نتعلم منه كيف يتعرف كل منا على قدراته الخاصة وينميها ليظهر عظمة الله في خلقه وفي توزيعه العادل للقدرات على عباده ؟
إن مسؤولية الدولة كبيرة في تبني القدرات المتميزة والمبدعين تربوياً ومادياً وإعلامياً ونفسياً ، لأنهم القلم الذي تكتب به هذه الدولة تاريخها العلمي المشرف في تربية الإبداع وتبني المبدعين ، فقد زالت دول ودويلات وحكومات ما زالت إبداعات المبدعين تعيد إلينا مجدهم مع كل عمل علمي وفني تبنته تلك الدول والحكومات ، فها نحن نقول : الفن المملوكي ، والفن العثماني ، والفن الأموي ، والفن العباسي ، ولا تقول : الفنان فلان الفلاني ، فهل تتدبر دولنا وحكوماتنا ذلك وتهتم بالعلماء والمبدعين حتى تكتب لها صفحات في سجل المبدعين والمصلحين ؟



أخبار الخليج – بريد القراء – العدد ( 10530 ) الأحد 2 محرم 1428هـ- 21 يناير 2007 م .