المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشتاء أحكام وآداب


قمرهم كلهم
01-21-2007, 02:00 AM
الشتاء أحكام وآداب


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



زاهر بن محمد الشهري


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
في هذه الأيام يتردد على أسماعنا الحديث عن الشتاء، بل ونحسه ونستشعره استشعاراً، فنشتاق إلى لياليه، وننتظر أيامه. وقد نكون الآن ممن يعيشه.

ولذا لنا مع هذا الفصل وقفات لعلَّ الله عز وجل يفتح لها القلوب:

الوقفة الأولى: تأمل وتفكر

إن أحسن ما أتفقت فيه الأنفاس التفكر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمّة به دون شيء من مخلوقاته.

وكم لله من آياته في كل ما يقع الحس عليه، ويبصره العباد، وما لا يبصرونه، تفنى الأعمار دون الإحاطة بها وبجميع تفاصيلها. لكن تأمل معي هذه الحكمة البالغة في الحر والبرد، وقيام الحيوان النبات عليهما. وفكر في دخول أحدهما على الآخر بالتدريج والمهلة حتى يبلغ نهايته. ولو دخل عليه مفاجأة لأضنَّ ذلك بالأبدان وأهلكها، وبالنبات، كما خرج الرجل من حمام مفرط الحرارة إلى مكان مفرط البرودة، ولولا العناية والحكمة والرحمة والإحسان لما كان ذلك

فهل من متأمل ومتفكر؟!

الوقفة الثانية: آيات الله في الشتاء

1 - الصواعق:

قال تعالى: وَيُرسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ [الرعد:13].

وقد جاء في سبب نزولها أن رجلاً من عظماء الجاهلية جادل في الله تعالى فقال لرسول الله : ( أيش ربك الذي تدعوني إليه؟

من حديد هو؟ من نحاس هو؟ من فضة هو؟ من ذهب هو؟ فأرسل الله عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه وأحرقته ).

2 - الرعد والبرق:

عن ابن عباس قال: اقبلت يهود إلى النبي

فقالوا: ( يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو؟ )

قال: { ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله }

قالوا: ( فما هذا الصوت الذي نسمع؟ )

قال: { زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر }

قالوا: ( صدقت ) [السلسلة الصحيحة للألباني:1872].

3 - المطر والبرد:

قال تعالى : أًلَمَ تَرَ أَنَ اللهَ يُزجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَينَهُ ثُمَّ يَجعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الوَدقَ يَخرُجُ مِن خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنَ يَشَاءُ وَيَصرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرقِهِ يَذهَبُ بِالأَ بصَارِ [النور:43].


الوقفة الثالثة: شكوى

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب. أكل بعضي بعضاً فجعل لها نفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها وشدة ما تجدون من الحر من سمومها } [رواه البخاري ومسلم].

فتذكر يا أخي شدة زمهرير جهنم بشدة البرد القارس في الدنيا، وإن ربط المشاهد الدنيوية بالآخرة ليزيد المرء إيماناً على إيمانه.

يقول أحد الزهاد: ( ما رأيت الثلج يتساقط إلا تذكرت تطاير الصحف في يوم الحشر والنشر ).


الوقفة الرابعة: التوحيد في الشتاء

يكثر في هذه الأيام من بعض المسلمين نسبة المطر إلى الأنواء ( منازل القمر ) وهذه النسبة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1 - نسبة إيجاد: أي أنها هي الفاعلة المُنزلة للمطر بنفسها دون الله وهذا شرك أكبر مخرج من الملة الإسلامية.

2 - نسبة سبب: أي أن يجعل هذه الأنواء سبباً مع اعتقاده أن الله هو الخالق الفاعل، وهذا شرك أصغر؛ لأن كل من جعل سبباً لم يجعله الله سبباً لا بوحيه ولا بقدره فهو مشرك شركاً أصغر.

3 - نسبة وقت: وهذه جائزة بأن يريد بقوله:

مطرنا بنوء كذا، أي جاءنا المطر في هذا النوع أي في وقته، لهذا قال العلماء:

( يحرم أن يقول مطرنا بنوء كذا، ويجوز مطرنا في نوء كذا ).

والأفضل من هذا أن يقول العبد كما جاء في الحديث: { مطرنا بفضل الله ورحمته }.


الوقفة الخامسة: الشتاء وعمر الإنسان

بإدراكنا هذا الشتاء يكون قد مضى وانصرم من أعمارنا عاماً كاملاً سيكون شاهداً لنا أو شاهداً علينا. والمؤمن يقف مع نفسه وقفة صادقة ويقول لها:

إنما هي ثلاثة أيام.

قد مضى أمسٌ بما فيه.

وغداً أملٌ لعلك لا تدركه.

إنك إن كنت من أهل غد فإن غداً يجيء برزقه. ودون غد يوماً وليلة تخرم فيه أنفاس كثيرة. لعلك المخترم فيها كفى كل يوم همُّه.

ثم قد حملت على قلبك الضعيف همّ السنين والأزمة، وهمَّ الغلاء والرخص وهمَّ الشتاء قبل أن يجيء الشتاء، وهمَّ الصيف قبل أن يجيء الصيف فماذا أبقيت من قلبك الضعيف لآخرته؟

كل يوم ينقص من أجلك وأنت لا تحزن.

مضى الدهر والأيام والذنب حاصل *** وجاء رسول الموت والقلب غافل

نعيمك في الدنيا غرور وحسرة *** وعيشك في الدنيا محال وباطل


الوقفة السادسة: الجسد الواحد

أحدهم يقسم بالله العظيم أن عنده جدّتين لأمه وأبيه تنامان في لحاف واحد من شدة البرد.

أختي -أخي الحبيب:

إن هذا الفصل نعيشه ويعيشه معنا أناس يستقبلون قبلتنا، ويصلون صلاتنا،

ويحجون حجنا فلهم حق. إن هذا الفصل وما يمر علينا فيه من الشدائد هنا وهنا فقط، لابد وأن نستشعر جميعاً أن هناك من هو أحوج بالرأفة والمساعدة منا، لابد أن نتذكر أولئك الذين لامس بل اخترق بردُ الزمهرير عظامهم.

إن هناك مسلمون لا يحلم بل لا يتصور أحدهم وإن شئت فقل لا يتوقع في الحسبان أن يصل إليه ثوب قد جعلته أنت مما فضل من ثيابك وملابسك.

أخي- أختي في الله:

قل لي بربك كم يملك أحدنا من ثوب؟ وكم يُفصِّل أحدنا من ثوب؟

وكم.. وكم.. وكم..؟ خير كثير كثير. ونِعَمٌ لا تحصى.. ولكن أين العمل؟

. إلى الله المشتكى فلا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى.

فهيا أخي امضِ وتصدق ولو بشيء يسير، فربما يكون في نظرك حقير وعند ذلك الفقير المحتاج كبير وعظيم.

الوقفة السابعة: من أحكام الطهارة في الشتاء

1- ماء المطر طهور: يرفع الحدث ويزيل الخبث قال تعالى : وَأَنَزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً [الفرقان:48].

2- إسباغ الوضوء في البرد كفارة للذنوب والخطايا : والإسباغ مأمور به شرعاً عند كل وضوء.

3- يكثر في فصل الشتاء والوَحَلُ والطين فتصاب الثياب به مما قد يُشكِل حكم ذلك على البعض.

فالجواب: أنه لا يجب غسل ما أصاب الثوب من هذا الطين؛ لأن الأصل فيه الطهارة. وقد كان جماعة من التابعين يخوضون الماء والطين في المطر ثم يدخلو المسجد فيُصلون.

لكن ينبغي مراعاة المحافظة على نظافة فُرش المسجد في زماننا هذا.

4- يكثر في الشتاء لبس الناس للجوارب والخفاف ومن رحمة الله بعبادة أن أجاز المسح عليهما إذا لُبسا على طهارة وسترا محل الفرض، للمقيم يوماً وليلة - أي أربعاً وعشرين ساعة - وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن - اي اثنتان وسبعون ساعة - وتبدأ المدة من أول مسح بعد اللبس على الصحيح وإن لم يسبقه حدث بأن يمسح أكثر أعلا الخف فيضع يده على مقدمته ثم يمسح إلى ساقه، ولا يجرى مسح أسفل الخف والجورب وعقبه، ولا يُسن.

ومن لبس جورباً أو خفاً ثم لبس عليه آخر قبل أن يحدث فله مسح أيهما شاء.

وإذا وإذا لبس جورباً أو خُفاً ثم أحدث ثم لبس عليه آخر قبل أن يتوضأ فالحكم للأول.

وإذا لبس خُفاً أو جورباً ثم أحدث ومسحه ثم لبس عليه آخر فله مسح الثاني على القول الصحيح. ويكون ابتداء المدة من مسح الأول.

وإذا لبس خُفاً على خُف أو جورباً على جورب ومسح الأعلى ثم خلعه فله المسح بقية المدة حتى تنتهي على الأسفل.

5 - من مخالفات الطهارة في الشتاء:

أ - بعض الناس لا يسبغون الوضوء لشدة البرد

بل لا يأتون بالقدر الواجب حتى إن بعضهم يكاد يمسح مسحاً. وهذا لا يجوز ولا ينبغي.

ب - بعض الناس لا يسفرون أكمامهم عند غسل اليدين فسراً كاملاً - أي يكشفون عن موضع الغسل كشفاً تاماً -

وهذا يؤدي إلا أن يتركوا شيئاً من الذراع بلا غسل، والوضوء معه غير صحيح.

ج - بعض الناس يُحرَجُون من تسخين الماء للوضوء وليس معهم أدنى دليل شرعي على ذلك.

الوقفة الثامنة: من أحكام الصلاة في الشتاء

1 - الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما سنة إذا وجد سببه وهي المشقة في الشتاء، من مطر أو وحلٍ أو ريح شديدة باردة، وهي رخصة من الله عز وجل والله يحب أن تؤتى رخصه. وتفصيل أحكام الجمع مبسوطة في المطولات.

2 - من مخالفات الصلاة في الشتاء:

أ - التلثم: صحّ عن النبي أن يغطي الرجل فاه.

فينبغي للمسلم إذا دخل المسجد أن يحل اللثام عن فمه، ولا بأس أن يغطي فمه أثناء التثاؤب في الصلاة ثم ينزع بعده. بل هو المشروع سواءً أكان باليد أم بشيء آخر.

ب - الصلاة إلى النار : يكثر في الشتاء وضع المدافئ في المساجد أو في البيوت وتكون أحياناً في قبلة المصلين.

وهذا مما نص أهل العلم على كراهته لأن فيه تشبهاً بالمجوس وإن كان المصلي لا يقصد ذلك ولكن سداً لكل طريق يؤدي للشرك ومشابهة المشركين.

3 - الصلاة على الراحلة أو في السيارة: جائزة خشية الضرر إذا خاف الضرر وإذا خاف خروج وقتها وهي مما لا يجمع مع غيرها في الشتاء.

قال ابن قدامة في المغني: ( وإن تضرر في السجود وخاف من تلوث يديه وثيابه بالطين والبلل فله الصلاة على دابته ويؤمئ بالسجود ).

الوقفة التاسعة: الدعاء في الشتاء

1 - عند رؤية الريح : ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت به ).

2 - عند رؤية السحاب : ( اللهم إني أعوذ بك من شرها ).

3 - عند رؤية المطر : ( اللهم صيباً هيئاً ) أو ( اللهم صيباً نافعاً ) أو ( رحمة ) ويستحب للعبد أن يكثر من الدعاء عند نزول المطر لأنه من المواطن التي تطلب إجابة الدعاء عنده، كما في الحديث الذي حسنه الألباني في الصحيح [1469].

4 - إذا كثر المطر وخيف منه الضرر : قال: ( اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظرب وبطون الأودية ومنابت الشجر ).

فائدة: يستحب للمؤمن عند أول المطر أن يكشف عن شيء من بدنه حتى يصيبه ( لأنه حديث عهد بربه ) هكذا فعل النبي وعلل له.

الوقفة العاشرة: النار في الشتاء

ينبغي للمؤمن أن يحذر في الشتاء وغيره من إبقاء المدافىء بأنواعها مشتعلة حالة النوم لما في ذلك من خطر الاحتراق، أو الاختناق.

جاء في البخاري ومسلم أن النبي قال: { إن هذه النار إنما هي عدو لكم فإذا نمتم فاطفئوها عنكم } وفي رواية: { لا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون } والسلامة في اتباع النبي .

الوقفة الحادية عشرة: فرح السلف بالشتاء

قال عمر رضي الله عنه: ( الشتاء غنيمة العابدين ).

وقال ابن مسعود: ( مرحباً بالشتاء تتنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام ).

وقال الحسن: ( نعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه ). ولذا بكى المجتهدون على التفريط - إن فرطوا - في ليالي الشتاء بعدم القيام، وفي نهاره بعدم الصيام.

ورحم الله معضداً حيث قال: ( لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما بالبيت أن أكون يعسوباً ).

هذا خبر من قبلنا، أما خبر أهل زماننا فنسأل الله أن يصلح الأحوال؛ تضييع للفرائض والواجبات، واجتراء على حدود رب الأرض والسموات، وسهرٍ على ما يغضب الله، ويظلم القلب، ويطفىء نور الإيمان.

فيا إخوتاه...

جدّوا في طلب مرضاة الرحمن في ليال الشتاء الطوال وفي غيرها.. وأكثروا من صيام نهاره. فقد قال : { الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة } إيه وربي إنها لغنيمة فأين المشمرون المخلصون؟!

الوقفة الثانية عشر: أحاديث ضعيفة في الشتاء

تتردد على ألسنة بعض الناس من العامة، ومن أهل الصحافة

- ممن يلبسون ثوب العلم الشرعي فيفتون فيُضلَّون ويضلُّون-

أحاديث ضعيفة بل باطلة سنداً ومعنى ومتناً وإن كان منها ما معناه صحيح لكن لا يصح رفعه إلى النبي ومنها:

1 - ( الشتاء ربيع المؤمن ).

2 - ( أصل كل داء البرد ).

3 - ( إن الملائكة لتفرح بذهاب الشتاء لما يكون على الفقراء من الشدة والبلاء ).

4 - ( اتقوا البرد فإنه قتل أخاكم أبا الدرداء ).

5 - ( قلوب بني آدم تلين في الشتاء وذلك أن الله خلق آدم من طين، والطين يلين في الشتاء ).

أسأل الله عز وجل في ختام هذه الوقفات التي هي بعدد شهور السنة أن يشرح قلوبنا للإيمان وأن يستعملنا في طاعته.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

__________________

قمرهم كلهم
01-21-2007, 02:04 AM
أحكام وسنن وعبر في الشتاء والربيع

--------------------------------------------------------------------------------



عنيزة عبدالمحسن القاضي



الخطبة الأولى
أما بعد:فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه، أيها الإخوة المؤمنون الدهور والأعوام الليالي والأيام، سنن الله تتعاقب في هذه الدنيا ولن تجد لسنة اله تبديلا، وبتعاقبها وسيرها تتعاقب الفصول على الناس، فهذا فصل للصيف وذا للشتاء وذاك للخريف وذا للربيع، ومن نعمه أن خص كل موسم بما يناسبه من الزروع والثمار ونوع الأعمال، ودفع السآمة عن الإنسان ؛ والمؤمن الحق من وقف مع هذه النعمة وتدبرها حق التدبر وشكر الله لأجلها، قولا وعملا، ولأننا في فصل الشتاء فإننا نقف بكم اليوم إخوة الإيمان على شيء مما ورد فيه، وكذلك غيض مما يحتاجه المسلم من الأحكام، وما شرع له من السنن فيه، أخرج الإمام أحمد في حديثه الحسن عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال: ((الشتاء ربيع المؤمن)) أخرجه البيهقي، وزاد فيه: ((طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه)) وإنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، ونزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، ويصلح بين المؤمن في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة من الطاعات ،فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة، ولا كلفة تحل له من جوع ولا عطش، فلا يحس بمشقة الصيام، وفي المسند والترمذي عن النبي: ((الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة))، وكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول: " ألا أدلكم على الغنيمة الباردة؛ قالوا: بلى؛ فيقول: الصيام في الشتاء وقيام ليل الشتاء "- نسأل الله أن يوفقنا لأدائه-، يكون يسيرا لطول الليل فيه يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك إلى الصلاة وروي عن ابن مسعود قال: " مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهار للصيام "، وعن الحسن قال: "ونعم زمان المؤمن الشتاء ليله طويل يقومه ونهاره قصير يصومه " قال ابن رجب رحمه الله : " قيام ليل الشتاء يعدل صيام نهار الصيف ولهذا بكى معاذ عند موته، وقال: إنما أبكي على ظمأ الهاجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركاب عند حلق الذكر " انتهي كلامه رحمه الله، ومن فضائل الشتاء أنه يُذكِّر بزمهرير جهنم، ويوجب الاستعاذة منها ذكر ابن رجب في حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبي قال: ((إذا كان يوم شديد البرد فإذا قال العبد لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم، اللهم أجرني من زمهرير جهنم، قال الله تعالى لجهنم إن عبدا من عبادي استجار بي من زمهريرك وإني أشهدك أني قد أجرته، قالوا وما زمهرير جهنم. قال: بيت يلقى فيه الكفار فيتميز من شدة برده))، وفي الحديث عند الشيخين وغيرهما عن النبي أنه قال: ((إن لجهنم نفسين نفسا في الشتاء ونفسا في الصيف، فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها، وأشد ما تجدون من الحر من سمومها))، وروي عن ابن عباس قال : " يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون برحي باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر ويستغيثوا بحر جهنم ".كم يكون الشتاء ثم المصيف وربيع يمضي ويأتي الخريف وارتحال من الحرور إلى البرد وسيف الردى عليك منيف عجبا لامرئ يذل لذي الدنيا ويكفيه كل يوم رغيف .

أيها الإخوة المؤمنون: ومما يحتاجه المؤمن كثيرا في الشتاء وغيره كذلك، المسح على الخفين، وإن من تيسير الله علينا في هذا الدين العظيم، أن أجاز الله لعباده عددا من الرخص يترخصون بها، وفيها المسح على الخفين بدلا من غسل الرجلين، ويلزم الإنسان عند لبس الخفين من شراب ونحوه أن يكون طاهرا متوضئا، ويمسح عليهما عند الوضوء، إن كان مقيما يوما وليلة، وإن كان مسافرا ثلاثة أيام بلياليهن، وتبدأ مدة المسح على الخفين من أول مسحة عليهما فإن لبس الإنسان خفيه عند صلاة الفجر ومسح عليهما في صلاة الظهر فابتداء المدة من الوقت الذي مسح فيه عند صلاة الظهر، فيمسح المقيم إلى مثل ذلك الوقت من الغد، وإذا تمت المدة، وهو على طهارته، فطهارته باقية حتى ينقض، وإذا انتقضت بعد تمام المدة وجب عليه غسل رجليه إذا توضأ، ثم يلبس من جديد، ومن تمت مدته فنسي ومسح بعد تمام المدة فعليه أن يعيد الصلاة التي صلاها بذلك المسح، ومن لبس الكنادر فله أن يمسح عليها وإن شاء مسح شراب إذا مُسِح أحدهما أول مرة تعلق الحكم به، فإذا قدر أن يمسح الكنادر فليستمر على مسحها ولا يخلعهما حتى تتم المدة، فإن خلعهما قبل تمام المدة لنوم أو لغيره فإنه لا يعيدها إذا توضأ حتى يغسل رجليه لأن الممسوح إذا خلع لا يعود المسح عليه إلا بعد غسل الرجلين أما إذا تعلق المسح بالشراب فلا يضر خلع الكنادر، وكيفية المسح أن يبل يديه بالماء ثم يمرهما على ظهر الخفين من أطرافه مما يلي الأصابع إلى الساق مرة واحدة، ومن رحمة الله بالعباد أن من احتاج إلى ربط شيء على كسر أو جرح أو جبيرة فإنه يمسح عليها كلها بدلا من غسلها في الوضوء والغسل حتى تبرأ ويقوم مسحها مقام غسلها تيسيرا من الله تسهيلا على عباده ولله الحمد والمنة، انتهى كلام الشيخ حفظه الله.إخوة الإيمان: وكذلك مما يرد على الإنسان في الشتاء كثرة الأمطار، وهي نعمة الله عز وجل، وخير للبلاد والعباد، تستحق منا الشكر، ووقت نزول المطر هو من أوقات الاستجابة للدعاء، وكذلك مما ورد من الأذكار والأدعية عند نزول المطر أن يقول المسلم: "مطرنا بفضل الله ورحمته "، وكذلك أن يقول: " اللهم اجعله صيبا نافعا "، وغير ذلك من الأدعية والسنن، وإن في تصريف الأمطار في بعض الأمصار وحبسها عن بعض الديار لعبرة لأولي الأبصار وعظة للعصاة الفجار، قال تعالى: وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا [الفرقان:48-50]. وفي نهاية الشتاء تخضر الأرض، وتخرج بركاتها بفضل الله ومنته، أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من بركات الأرض، قيل : مابركات الأرض؟ قال: زهرة الدنيا، فقال له رجل: هل يأتي الخير بالشر؟ فصمت رسول الله حتى ظننت أنه سينزل عليه، ثم جعل يمسح على جبينه، قال أين السائل ؟ قال: أنا، قال: لا يأتي الخير إلا بالخير، إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلم أي يشبع إلا آكله الخضر أكلت حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت الشمس فاجترت وثلطت وبالت ثم عادت فأكلت وإن هذا المال خضرة حلوة من أخذه بحقه، ووضعه في حقه، فنعم المعونة هو، وإن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع))، عباد الله كل ما في الدنيا فهو مذكر بالآخرة، ودليل عليه، فنبات الأرض واخضرارها في الربيع بعد يبسها، يدل على بعث الموتى من الأرض، وذكر الله ذلك في مواضع كثيرة من كتابه فهو يقول: وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي الموتى و أنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور [الحج:5-6]. ويقول جل وعلا: ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج [ق:9-11]. قال أبو رزين للنبي : كيف يحيي الله الموتى وما آية ذلك في خلقه؟ قال: ((هل مررت بواد أهلك محلا ثم مررت به يهتز اخضرارا قال: نعم، قال: كذلك يخرج الله الموتى وذلك آيته في خلقه)) خرجه الإمام أحمد.تفكر في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين ناظرات بأحداق هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك إخوة الإيمان : فصول السنة تذكر بالآخرة فشدة حر الصيف يذكر بحر جهنم، وهو من سمومها، وشدة برد الشتاء يذكر بزمهرير جهنم، وهو من نفسها، والخريف يكمل فيه اجتناء الثمرات التي تبقى وتدخر في البيوت، فهو منبه على اجتناء ثمرات الأعمال في الآخرة، وأما الربيع فهو أطيب فصول السنة وهو يذكر بنعيم الجنة، وطيب عيشها فهذه التنقلات توجب للعاقل الدهش والتعجب من صنع صانعه وقدرة خالقه جل وعلا.فوا عجبا كيف يعصي الإله أم كيف يجحد الجاحد ولله في كل تحريكة وتسكينة أبدا شاهد وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون [سورة الأنعام:99].بارك الله لي ولكم في الفرقان العظيم . . .

الخطبة الثانية
الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.أما بعد:فيا عباد الله :اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه خرج الإمام أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد قال: ((كان رسول الله يصوم الأيام يسرد حتى نقول لا يفطر ويفطر الأيام حتى لا يكاد يصوم ولم يكن يصوم من الشهور ما يصوم من شعبان ؛ فقلت : يا رسول الله إنك تصوم لا تكاد تفطر وتفطر لا تكاد تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما ؟ قال :أي يومين؟ قال: يوم الاثنين والخميس؛ قال: ذاك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم؛ قلت: ولم أرك تصوم من الشهور ما تصوم شعبان؟ قال: ذاك شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين عز وجل فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم))، وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر قط إلا رمضان وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان)) وفي رواية للنسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان أحب الشهور إلى رسول الله أن يصوم شعبان كان يصله برمضان)).إخوة الإيمان ها أنتم في شهر شعبان الذي أدرككم، فاستغلوه بالصيام، وفعل الخيرات، كما ورد ذلك عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وهو من مواسم الخير التي ينبغي للإنسان استغلالها، ويجب على من فاته شيء من رمضان الماضي فأفطره لعذر، أن يتدارك نفسه ويصومه قبل مجيء شهر الخير والإحسان، شهر رمضان، قال ابن رجب رحمه الله : " ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحل التأهل لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن فيا من فرط في الأوقات الشريفة وضيعها وأودعها الأعمال السيئة وبئس ما استودعها ".مضى رجب وما أحسنت فيه وهذا شهر شعبان المبارك فيا من ضيع الأوقات جهلا بحرمتها أفق واحذر بوادرك فسوف تفارق اللذات قهرا يخلي الموت كرها منك دارك تدارك ما استطعت من الخطايا بتوبة مخلص واجعل مدارك على كسب السلامة من جحيم فخير ذوي الجرائم من تدارك وعلموا يا عباد الله: أن تخصيص صيام يوم النصف من شعبان، وقيام ليلته، بدعة لم يرد فيه شيء عن النبي ، أما من مر عليه النصف في صيامه فلا بأس، فتنبهوا لذلك ونبهوا غيركم وخصوصا من العمالة الوافدة، والتي تنتشر هذه البدعة في بلادهم وقد تكلم أهل العلم عنها فلهم من الله الأجر والمثوبة.واتقوا الله يا عباد الله: وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم وما كان عليه السلف الصالح وصلوا وسلموا يا عباد الله.

قمرهم كلهم
01-21-2007, 02:04 AM
المطر: أحكام وعبر


د. نايف بن أحمد الحمد


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد: فهذه بعض الأحكام المتعلقة بالأمطار، سائلاً المولى -جل جلاله- أن ينفعنا بها قال تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" فجميع المخلوقات لا تستغني عن الماء بحال من الأحوال، والأمطار من أهم مصادر المياه العذبة في الأرض، ولنـزول المطر من علو على ما نراه حكم عظيمة، قال العلامة ابن القيم –رحمه الله تعالى-: "تأمل الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من علو ليعم بسقيه وهادها وتلولها وظرابها وآكامها ومنخفضها ومرتفعها ولو كان ربها تعالى إنما يسقيها من ناحية من نواحيها لما أتى الماء على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر وفي ذلك فساد، فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها فينشئ سبحانه السحاب وهي روايا الأرض ثم يرسل الرياح فتحمل الماء من البحر وتلقحها به كما يلقح الفحل الأنثى.." ا.هـ. مفتاح دار السعادة 1/323 وسأتحدث عن هذا الموضوع وفق العناصر التالية:

* الاستسقاء عند الجدب:
عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب فاستقبل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قائمًا ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يديه ثم قال: "اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا" قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال فلا والله ما رأينا الشمس سبتا" رواه البخاري (698)، ومسـلم (897)، وعند البخاري (1033) "ولم ينـزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته".

* أسباب الجدب:
متى حل الجدب بالأرض لحق الناس والدواب وغيرها ضرر عظيم وهو من المصائب التي يبتلي بها الله تعالى عباده "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم" [الحديد: 22]، قال قتادة: هي السنون. يعني الجدب. تفسير ابن كثير 4/315 وقال تعالى: "ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين" [الأعراف: 130] أي بالجدب والقحط.
وقال تعالى على لسان إخوة يوسف -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لما دخلوا عليه يشكون حالهم "فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين" [يوسف: 88]، والضر هنا : الشدة من الجدب والقحط. تفسير الطبري 13/49 تفسير ابن كثير 2/499.

* وأسباب الجدب كثيرة ولعل من أهمها كثرة الذنوب:
قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" [الروم: من الآية41]، قال القرطبي مفسرًا الآية (ظهر) الجدب (في البر) أي في الوادي وقراها وفي البحر أي في مدن البحر مثل "واسأل القرية" أي ظهر قلة الغيث وغلاء السعر "بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض" أي عقاب بعض الذي عملوا ثم حذف، والقول الآخر أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم فهذا هو الفساد على الحقيقة. ا.هـ. تفسير القرطبي 14/41 وانظر: تفسير ابن كثير 3/436، الجلالين 536.
وعن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن قول الله عز وجل: "إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً" [التوبة: من الآية39] قال: استنفر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حيا من أحياء العرب فتثاقلوا فأمسك عنهم المطر وكان عذابهم. رواه أبو داود (2506) وعبد بن حميد (681) وابن جرير (10/134) والحاكم (2/114) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال تعالى: "وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [الأعراف: من الآية168]، قال القرطبي –رحمه الله تعالى-: "وبلونانهم" أي اختبرناهم "بالحسنات" أي بالخصب والعافية "والسيئات" أي الجدب والشدائد "لعلهم يرجعون" ليرجعوا عن كفرهم. أ.هـ. تفسير القرطبي (7/310).
وكان من دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- على الظلمة "اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" رواه البخاري (771)، ومسلم (675) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.

والتوبة لها أثر عظيم في نزول المطر:
قال تعالى حكاية عن نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً" [نوح:10-12]، وقال تعالى حكاية عن هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ" [هود:52] قال ابن قدامة –رحمه الله تعالى-: "إن المعاصي سبب الجدب والطاقة تكون سببا للبركات، قال الله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [الأعراف:96] المغني (2/148).
وقال العباس لما استسقى به عمر –رضي الله عنهما- عام الرمادة: اللهم إنه لم ينـزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث. فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. انظر: فتح الباري 2/497، ونيل الأوطار (4/32) والاستيعاب (2/814).

* حال النبي صلى الله عليه وسلم إذا تخيلت السماء:
عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أدري لعله كما قال قوم عاد (فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم)" الآية. رواه البخاري (3034).
وعنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئًا من أفق من آفاق السماء ترك عمله وإن كان في صلاته، ثم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه" فإن كشفه الله (حمدا لله) وإن مطرت قال: "اللهم صيبًا نافعًا" رواه أحمد (6/190) والبخاري في الأدب (686) والنسائي في الكبرى (1829).

وقد عذب الله تعالى أقوامًا بالمطر منهم:
1- قوم نوح -عليه السلام- قال تعالى: "فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِر فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ"
[القمر:10-14].
2- قوم عاد: وذكرناه سابقًا.
3- قوم لوط -عليه السلام- قال تعالى: "وأمطرنا عليهم مطرًا فساء مطر المنذرين" فقد أرسل الله تعالى عليهم حجارة من سجيل لتكذيبهم رسولهم. تفسير القرطبي 13/133، وابن كثير 6/21.
4- قوم سبأ قال تعالى: "فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ" [سـبأ: من الآية16]، وهو الماء الغزير، تفسير ابن كثير (6/495) الجلالين (565).
وما واقعة تسونامي عنا ببعيد، فقد أهلك الله تعالى مئات الآلاف في دقائق معدودة نسأ الله تعالى العفو والعافية.

* السنة عند نزول المطر:
من السنن عند نزول المطر ما يلي:
1- التعرض له: عن أنس –رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى" رواه مسلم (898).
2- أن نقول الذكر الوارد عند نـزول المطر، وقد وردت عدة أذكار منها:
أ – قـول "اللهم صيبًا نافعًا" فعن عائشة –رضي الله عنها- أن رسـول الله –صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: "صيبًا نافعًا" رواه البخـاري (985).
ب – قول "رحمة" لحديث عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يقول إذا رأى المطر "رحمة" رواه مسلم (899).
ج- قول "مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله" كما في حديث خالد بن زيد –رضي الله عنه- رواه البخاري (3916).
3- الدعاء العام عند نزول المطر: فهو من مواطن استجابة الدعاء، كما في الحديث الذي أخرجه الحاكم (2/114) وصححه، وانظر: مجموع الفتاوى (7/129).
4- إذا كثر المطر وخيف ضرره يسن أن يقول "اللهم حوالينا ولا علينا على الآكام –أي الهضاب- والجبال والآجام- أي منبت القصب- والظراب- أي الجبال- والأودية ومنابت الشجر" رواه البخاري (967) من حديث أنس –رضي الله عنه- ونحوه عند مسلم (897). وانظر: زاد المعاد (1/459).
5- ويسن أن يقول عند سماع صوت الرعد والصواعق ما جاء في حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا سمع الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك" رواه أحمد (2/100) والبخاري في الأدب (721) والترمذي (350) وقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)، وصححه الحاكم (4/318)، وكان ابن الزبير –رضي الله عنه- إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته" رواه مالك (1801) والبخاري في الأدب (723). وأشير إلى أن الصواعق تكثر في آخر الزمان كما في حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق تلكم الغداة فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان" رواه أحـمد (3/64) والحاكم (4/491)، وصححه على شرط مسلم.

* ولا بأس بالجمع بين الصلاتين إذا كثر المطر:
لحديث ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: صلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعًا بالمدينة من غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير: فسألت سعيدًا لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته. رواه مسلم (705).

* كما يسن الصلاة في الرحال عند نـزول المطر مع شدة البرد؛ لحديث ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في الرحال ثم قال كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول (ألا صلوا في الرحال) رواه مسلم (697) وفي رواية له تقييدها بالسفر.

* حكم الاستسقاء بالنجوم:
قال تعالى: "أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ" [الواقعة:68-69]، وعن أبي مالك الأشعري –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة" رواه مسلم (934).

وعن زيد بن خالد –رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال: "أتدرون ماذا قال ربكم" ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فقال: "قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا وكذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي" رواه البخاري (3916).

أقسام الاستسقاء بالنجوم وحكم كل قسم:
الأول: أن يدعو الأنواء بقوله مثلاً: يا نوء كذا اسقنا. وهذا شرك أكبر في الألوهية لأنه صرف شيئًا من العبادة وهي الدعاء لغير الله تعالى.
الثاني: أن ينسب حصول المطر للأنواء على أنها هي الفاعلة دون الله تعالى ولو لم يدعها وهذا شرك أكبر في الربوبية.
الثالث: أن يجعل هذه الأنواء سببًا مع اعتقاده أن الله تعالى هو الخالق الفاعل وهذا شرك أصغر؛ لأن من جعل سببًا لم يجعله الله تعالى سببًا لا بوحيه ولا بقدره فهو مشرك شركًا أصغر.
الرابع: أن يريد بقوله "مطرنا بنوء كذا" أي في وقت كذا، فتكون الباء ظرفية أي جاءنا المطر في وقت هذا النوء. وهذا جائز. انظر القول المفيد لشيخنا العلامة ابن عثيمين –رحمه الله تعالى- (3/18 و 2/31).

وأختم بقول النبي –صلى الله عليه وسلم- "ليست السنة أن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا" رواه مسلم (2904) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أسأل الله تعالى أن يجعل ما أنـزله علينا متاعًا وبلاغًا إلى حين، وأن يجعله سقيا رحمة لا سقيا عذاب وهدم وغرق إنه جواد كريم، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

بنت النور
01-21-2007, 08:55 AM
جزاك الله خير

سلمت يمنااااااااك


اطيب المنى

نجمه في سماهم
01-21-2007, 01:00 PM
جزاكي الله خير

يا قموووره

و

يعطيك العافيه


تحياتي

نجوووووومـ

بشرى
01-21-2007, 01:17 PM
جزاك الله خير

سندريلا طيبه
01-21-2007, 02:34 PM
جزاك الله الف خير

موضوع اكثر من راائع

دمتي مميزه

بنت سكر
01-21-2007, 08:05 PM
يعطيك العافيه

قمرهم كلهم
01-21-2007, 11:24 PM
الف شكر على المرووور