![]() |
قصة مثـل جزاء سنمار .
يروى أن ملك الحيرة النعمان كان مزهوا بسلطانه ، مفتخرا بمملكته ، وكان يباهي بها أمام ملوك العرب والفرس ، فأراد ذات يوم أن يشيد على أرضه قصرا عتيدا مجيدا ، يصل صداه إلى أقاصي الأمم ، فاقترحوا عليه مهندسا من الروم يدعى سِنِمّار ، وقد عُرف بإتقانه الشديد في تصميمه وحرفته في الزخرفة والبناء ، وكان له ذلك .
فقدم سنمار وشرع بكل ما أوتي من مهارة وخبرة في تشييد قصر لن تقدر على خلقه أي يد مهندس آخر بعده ، خصوصا وأنه علم بكرم الملك النعمان ، وإغداقه بالذهب والهدايا على من يحسنون خدمته . تقول بعض الروايات أن سنمار استغرق قرابة العشرين سنة في تشييد هذا القصر العظيم ، وأطلق عليه اسم الخورنق ، وبعد أن انتهى منه وعرضه على الملك ، انبهر أشد الانبهار ، ودهش الناس لدقة تصميم القصر وزخرفته ، وألوان أركانه وجنباته . وقد وقف سنمار سعيدا راضيا عن نفسه لأنه عمل بكل جد لأداء مهمته على أكمل وجه ..فكان كذلك بل أكثر ، لكن المسكين لم يعلم أن فصول نهايته كانت تقترب منه من حيث لا يدري . وعلى العموم هناك روايتان مشهورتان لنهاية سنمار : الرواية الأولى : بعد أن انتهى سنمار من القصر وانبهر به الملك ، أخذه في جولة بأرجاء القصر وصعدا إلى قمته ، عندها أعجب الملك أشد الإعجاب من عظمة هذا الصرح الشاهق ، وحدّثته نفسه بأن سنمار كما بنى له هذا القصر الباهي ، فسيبني غيره أو أفضل منه لملك آخر ، فما كان من الملك إلا أن دفعه من قمة القصر فأرداه قتيلا . الرواية الثانية : بعد أن انتهى سنمار من القصر وانبهر به الملك ، أخذه في جولة بأرجاء القصر ، وأثناء حديثهما قال له سنمار : – يا جلالة الملك لقد صممت لك هذا القصر لك وحدك ولن يتأتى لأي شخص مهما كان أن يشيد مثله ، ولقد تركت آجرة ( طوبة ) في موضع محدد إن أزحتها من مكانها انهدّ القصر برمته ، فإن تعرضت مملكتك لغزو أو تمكن الأعداء منك ، ما عليك إلا أن تزيل هذه الآجرة من موضعها فينهدّ القصر فوق رؤوسهم ، وتهرب أنت ، ولن يبقى لهم شيء . فقال له الملك : من يعلم بأمر هذه الآجرة ؟ قال سنمار : طبعا أنا وأنت فقط مولاي . فتوجس الملك الريبة والخوف ، وأحاطت به الوساوس والظنون ، ورأى أن هذا السر الخطير يجب أن يعلم به شخص واحد فقط ، فاستدعى سنمار إلى مرافقته لقمة القصر ، فباغته على حين غرة ودفعه . ذلك جزاء سنمار ، فبالرغم من كون نيته سليمة صافية لا تحمل أي شر ، إلا أن مهارته اللامتناهية في عمله كانت سببا في نهايته ، وأضف إليها غيرة الملك التي أعمت عينيه عن كل رويّة وتفكير ، فكان مثل جزاء سنمار يضرب في كل من يحسن في عمله ، فيكافأ بالإساءة إليه . فكم من سنمار في واقعنا يجازى شرا بعد أن يبذل كل ما يملك من ضروب الخير والإحسان ، وتلك هي الأيام التي لا يأمن تقلبها أي عاقل . يقول الشاعر : جزاني جزاه الله شر جزائه * جزاء سنمار وما كان ذا ذنب |
قصة مثـل جزاء سنمار
|
الساعة الآن 03:47 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir