عرض مشاركة واحدة

قديم 01-13-2017, 10:41 AM   المشاركة رقم: 1
الكاتب
eshrag
Guest
المعلومات  
العضوية:
المشاركات: n/a
بمعدل : 0 يوميا
التوقيت
الإتصال


المنتدى : اشراق الإسلام - اسلاميات
افتراضي غزوة بني قريظة في سنة خمس هجري - بالتفصيل

غزوة بني قريظة في سنة خمس

أمر الله لرسوله على لسان جبريل بحرب بني قريظة

فلما كانت الظهر ، أتى جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني الزهري ، معتجرا بعمامة من إستبرق ، على بغلة عليها رحالة ، عليها قطيفة من ديباج ، فقال ‏:‏ أوَ قد وضعت السلاح يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ؛فقال جبريل ‏:‏ فما وضعت الملائكة السلاح بعد ، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ، إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة ، فإني عامد إليهم فمزلزل بهم ‏.‏

دعوة الرسول المسلمين للقتال

فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا ، فأذن في الناس ‏:‏ من كان سامعا مطيعا ، فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة ‏.‏ جبريل يأتي بحرب بني قريظة ‏.‏

استعمال ابن أم مكتوم على المدينة
واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام ‏.‏ علي يبلغ الرسول ما سمعه من بني قريظة قال ابن إسحاق ‏:‏ وقَدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة ، وابتدرها الناس ، فسار على بن أبي طالب ، حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث ؛ قال ‏:‏ لم ‏؟‏ أظنك سمعت منهم لي أذى ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم يا رسول الله؛ قال ‏:‏ لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا ‏.‏ فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ‏.‏ قال‏:‏ يا إخوان القردة ، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا أبا القاسم ، ما كنت جهولا ‏.‏

جبريل في صورة دحية الكلبي
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفر من أصحابه بالصَّوْرَيْن قبل أن يصل إلى بني قريظة ، فقال ‏:‏ هل مر بكم أحد ‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا رسول الله ، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي ، على بغلة بيضاء عليها رحالة، عليها قطيفة ديباج ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ذلك جبريل ، بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ، ويقذف الرعب في قلوبهم ‏.‏ ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة ، نزل على بئر من آبارها من ناحية أموالهم ، يقال لها بئر أنا ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ بئر أنى ‏.‏

تجمع المسلمين للقتال
قال ابن إسحاق ‏:‏ وتلاحق به الناس ، فأتى رجال منهم من بعد العشاء الآخرة ، ولم يصلوا العصر ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا يصلين أحد العصر إلا ببني قريظة ، فشغلهم ما لم يكن منه بد في حربهم ، وأبوا أن يصلوا ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ حتى تأتوا بني قريظة ‏.‏ فصلوا العصر بها ، بعد العشاء الآخرة ، فما عابهم الله بذلك في كتابه ، ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ حدثني بهذا الحديث أبي إسحاق بن يسار ، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري ‏.‏

حصار بني قريظة
قال ‏:‏ وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ‏.‏ وقد كان حيي بن أخطب دخل مع بني قريظة في حصنهم ، حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه ‏.‏

كعب بن أسد ينصح قومه
فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد لهم ‏:‏ يا معشر يهود ، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم ؛ قالوا ‏:‏ وما هي ‏؟‏ قال ‏:‏ نتابع هذا الرجل ونصدقه ، فوالله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل ، وأنه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ؛ قالوا ‏:‏ لا نفارق حكم التوارة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ؛ قال ‏:‏ فإذا أبيتم عليّ هذه ، فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مُصلتين السيوف ، لم نترك وراءنا ثقلا ، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فإن نهلك نهلك ، ولم نترك وراءانا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء والأبناء ؛ قالوا ‏:‏ نقتل هؤلاء المساكين ‏!‏ فما خير العيش بعدهم ‏؟‏ قال ‏:‏ فإن أبيتم عليّ هذه ، فإن الليلة ليلة السبت ، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنونا فيها ، فانزلوا لعلنا نُصيب من محمد وأصحابه غرة ؛ قالوا ‏:‏ نفسد سبتنا علينا ، ونحُدث فيه ما لم يحدث مَنْ كان قبلنا إلا من قد علمت ، فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ ‏!‏ قال ‏:‏ ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما‏.‏

قصة أبي لبابة و توبته في هذه الغزوة
قال ‏:‏ ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبدالمنذر ، أخا بني عمرو بن عوف ، وكانوا حلفاء الأوس ، لنستشيره في أمرنا ، فأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ؛ فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه ، فرق لهم ، وقالوا له ‏:‏ يا أبا لبابة ‏!‏ أترى أن ننزل على حكم محمد ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، وأشار بيده إلى حلقه ، إنه الذبح ‏.‏ قال أبو لبابة ‏:‏ فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده ، وقال ‏:‏ لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت ، وعهد الله ‏:‏ أن لا أطأ بني قريظة أبدا ، ولا أُرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا ‏.‏

ما نزل في خيانة أبي لبابة
قال ابن هشام ‏:‏ وأنزل الله تعالى في أبي لبابة ، فيما قال سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبدالله بن أبي قتادة ‏:‏ ‏ {(‏يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون‏)}‏.‏

موقف الرسول من أبي لبابة
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره ، وكان قد استبطأه ، قال ‏:‏ أما إنه لو جاءني لاستغفرت له ، فأما إذ قد فعل ما فعل ، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه ‏.‏

توبة الله على أبي لبابة
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني يزيد بن عبدالله بن قُسيط ‏:‏ أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر ، وهو في بيت أم سلمة ‏.‏ فقالت أم سلمة ‏:‏ فسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم من السحر و هو يضحك ‏.‏ قالت ‏:‏ فقلت ‏:‏ مم تضحك يا رسول الله ‏؟‏ أضحك الله سنك ؛ قال ‏:‏ تِيب على أبي لبابة ؛ قالت ‏:‏ قلت ‏:‏ أفلا أبشره يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، إن شئت ‏.‏ قال ‏:‏ فقامت على باب حجرتها ، وذلك قبل أن يُضرب عليهنّ الحجاب ، فقالت ‏:‏ يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك ‏.‏ قالت ‏:‏ فثار الناس إليه ليطلقوه ، فقال ‏:‏ لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده؛ فلما مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه ‏.‏

ما نزل في التوبة على أبي لبابة
قال ابن هشام ‏:‏ أقام أبو لبابة مرتبطا بالجذع ست ليال ، تأتيه امرأته في كل وقت صلاة ، فتحله للصلاة، ثم يعود فيرتبط بالجذع ، فيما حدثني بعض أهل العلم ؛ والآية التي نزلت في توبته قول الله عز وجل ‏:‏ ‏ (‏ وآخرون اعترفوا بذنوبهم ، خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، عسى الله أن يتوب عليهم ، إن الله غفور رحيم ‏) ‏ ‏.
إسلام بعض بني هدل
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم إن ثعلبة بن سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، وهم نفر من بني هدل ، ليسوا من بني قريظة ولا النضير ، نسبهم فوق ذلك ، هم بنو عم القوم ، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

قصة عمرو بن سعدى
وخرج في تلك الليلة عمرو بن سُعْدى القرظي ، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه محمد بن مسلمة تلك الليلة ؛ فلما رآه قال ‏:‏ من هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا عمرو بن سُعدى - وكان عمرو قد أبى يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال ‏:‏ لا أغدر بمحمد أبدا - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه ‏:‏ اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام ، ثم خلى سبيله ‏.‏ فخرج على وجهه حتى أتى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ، ثم ذهب فلم يُدر أين توجه من الأرض إلى يومه هذا ، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه ؛ فقال ‏:‏ ذاك رجل نجاه الله بوفائه ‏.‏ وبعض الناس يزعم أنه كان أُوثق بِرُمَّة فيمن أُوثق من بني قريظة ، حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصبحت رمته ملقاة ، ولا يدري أين يذهب ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه تلك المقالة ، والله أعلم أي ذلك كان ‏.‏

تحكيم سعد في أمر بني قريظة
قال ‏:‏ فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتواثبت الأوس ، فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، إنهم موالينا دون الخزرج ، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت - وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع ، وكانوا حلفاء الخزرج ، فنزلوا على حكمه ، فسأله إياهم عبدالله بن أبي بن سلول ، فوهبهم له - فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بلى ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فذاك إلى سعد بن معاذ ‏.‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم ، يقال لها ‏:‏ رُفيدة ، في مسجده ، كانت تداوي الجرحى ، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق ‏:‏ اجعلوه في خيمة رُفيدة حتى أعوده من قريب ‏.‏ فلما حكَّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني قريظة ، أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطَّئوا له بوسادة من أدم ، وكان رجلا جسيما جميلا ، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يقولون ‏:‏ يا أبا عمرو ، أحسن في مواليك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم ؛ فلما أكثروا عليه قال ‏:‏ لقد أَنى لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم ‏.‏ فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبدالأشهل ، فنَعَى لهم رجال بني قريظة ، قبل أن يصل إليهم سعد ، عن كلمته التي سمع منه ‏.‏ فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ قوموا إلى سيدكم - فأما المهاجرون من قريش ، فيقولون ‏:‏ إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ؛ وأما الأنصار، فيقولون ‏:‏ قد عمّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقاموا إليه ، فقالوا ‏:‏ يا أبا عمرو ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم ؛ فقال سعد بن معاذ ‏:‏ عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، أنّ الحكم فيهم لمَا حكمت ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ‏:‏ وعلى من هاهنا ‏؟‏ في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نعم ؛ قال سعد ‏:‏ فإني أحكم فيهم أن تُقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتُسبى الذراري والنساء ‏.‏

رضاه عليه الصلاة والسلام بحكم سعد
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن ابن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن علقمة بن وقاص الليثي ، قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد ‏:‏ لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ‏.‏

علي ينهي المعركة لصالح المسلمين
قال ابن هشام ‏:‏ حدثني بعض من أثق به من أهل العلم ‏:‏ أن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة ‏:‏ يا كتيبة الإيمان ، وتقدم هو والزبير بن العوام ، وقال ‏:‏ والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم ؛ فقالوا ‏:‏ يا محمد ، ننزل على حكم سعد بن معاذ ‏.‏

حبس بني قريظة ومقتلهم
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم استنزلوا ، فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث، امرأة من بني النجار ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة ، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق ، ثم بعث إليهم ، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق ، يخرج بهم إليه أرسالا ، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، رأس القوم ، وهم ستمائة أو سبعمائة ، والمكثِّر لهم يقول ‏:‏ كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة ‏.‏ وقد قالوا لكعب بن أسد ، وهم يُذهب بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا ‏:‏ يا كعب ، ما تراه يصنع بنا ‏؟‏ قال ‏:‏ أفي كل موطن لا تعقلون ‏؟‏ ألا ترون الداعي لا ينزع، وأنه من ذُهب به منكم لا يرجع ‏؟‏ هو والله القتل ‏!‏ فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

مقتل ابن أخطب
وأُتي بحيي بن أخطب عدو الله ، وعليه حله له فقَّاحية - قال ابن هشام ‏:‏ فقاحية ‏:‏ ضرب من الوشي - قد شقها عليه من كل ناحية قدر أنملة أنملة لئلا يُسلبها ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ‏.‏ فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ أما والله ما لمت نفسي في عدواتك ، ولكنه من يخذل الله يخذل ، ثم أقبل على الناس ، فقال ‏:‏ أيها الناس ، إنه لا بأس بأمر الله ، كتاب وقدر ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ، ثم جلس فضربت عنقه ‏.‏

شعر جبل في مقتل حيي بن أخطب
فقال جبل بن جوال الثعلبي ‏:‏

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه



ولكنه من يخـذل الـلـه يخُـذلِ

لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها



وقلقل يبغي العز كل مُقـلـقَـل

قتل امرأة واحدة من نسائهم وسببه
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت ‏:‏ لم يقتل من نسائهم إلا امراة واحدة ‏.‏ قالت ‏:‏ والله إنها لعندي تحَدَّث معي ، وتضحك ظهرا وبطنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق ، إذ هتف هاتف باسمها ‏:‏ أين فلانة ‏؟‏ قالت ‏:‏ أنا والله ، قالت ‏:‏ قلت لها ‏:‏ ويلك ؛ ما لك ‏؟‏ قالت ‏:‏ أُقتل ؛ قلت ‏:‏ ولم ‏؟‏ قالت ‏:‏ لحدث أحدثته ؛ قالت ‏:‏ فانطلق بها ، فضربت عنقها ؛ فكانت عائشة تقول ‏:‏ فوالله ما أنسى عجبا منها ، طيب نفسها ، وكثرة ضحكها ، وقد عرفت أنها تُقتل ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ وهي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد ، فقتلته ‏.‏

قصة الزبير بن باطا
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس ، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري ، أتى الزبير بن باطا القرظي ، وكان يكنى أبا عبدالرحمن - وكان الزبير قد منَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية ‏.‏ ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان منّ عليه يوم بعاث ، أخذه فجز ناصيته ، ثم خلى سبيله - فجاءه ثابت وهو شيخ كبير ، فقال ‏:‏ يا أبا عبدالرحمن ، هل تعرفني ‏؟‏ قال ‏:‏ وهل يجهل مثلي مثلك ؛ قال‏:‏ إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي ؛ قال ‏:‏ إن الكريم يجزي الكريم ‏.‏ ثم أتى ثابت بن قيس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إنه قد كانت للزبير عليّ منة ، وقد أحببت أن أجزيه بها، فهب لي دمه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هو لك ؛ فأتاه فقال ‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك ، فهو لك ؛ قال ‏:‏ شيخ كبير لا أهل له ولا ولد ، فما يصنع بالحياة ‏؟‏ قال ‏:‏ فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، هب لي امرأته وولده ؛ قال ‏:‏ هم لك ‏.‏ قال ‏:‏ فأتاه فقال ‏:‏ قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك ، فهم لك ؛ قال ‏:‏ أهل بيت بالحجاز لا مال لهم ، فما بقاؤهم على ذلك ‏؟‏ فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، ماله ؛ قال ‏:‏ هو لك ‏.‏ فأتاه ثابت فقال ‏:‏ قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ، فهو لك ‏.‏ قال ‏:‏ أي ثابت ، مافعل الذي كأن وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي ، كعب بن أسد‏؟‏ قال ‏:‏ قتل ؛ قال ‏:‏ فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب ‏؟‏ قال ‏:‏ قتل ؛ قال ‏:‏ فما فعل مقدمتنا إذا شددنا ، وحاميتنا إذا فررنا ، عزَّال بن سموأل ‏؟‏ قال ‏:‏ قتل ؛ قال ‏:‏ فما فعل المجلسان ‏؟‏ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة ؛ قال ‏:‏ ذهبوا قتلوا ؛ قال ‏:‏ فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم ، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير ، فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة ‏.‏ فقدمه ثابت ، فضرب عنقه ‏.‏ فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله ‏(‏ ألقى الأحبة ‏)‏ ‏.‏ قال ‏:‏ يلقاهم والله في نار جهنم خالدا فيها مخلدا ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ قبلة دلو ناضح ‏.‏ قال زهير بن أبي سلمى في ‏(‏ قبلة ‏)‏ ‏:‏

وقابل يتغنى كلما قدرت



على العراقي يداه قائما دَفَقا

وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ ويُروى ‏:‏ وقابل يتلقى ، يعني قابل الدلو يتناول ‏.‏

أمر عطية القرظي ورفاعة بن سموأل

قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم ‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ وحدثني شعبة بن الحجاج ، عن عبدالملك بن عمير ، عن عطية القرظي ، قال ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يُقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم ، وكنت غلاما ، فوجدوني لم أُنبت، فخلوا سبيلي ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أيوب بن عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي صعصعة ، أخو بني عدي بن النجار ‏:‏ أن سلمى بنت قيس ، أم المنذر ، أخت سليط بن أخت سليط بن قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قد صلت معه القبلتين ، بايعته بيعة النساء - سألته رفاعة بن سموأل القرظي ، وكان رجلا قد بلغ ، فلاذ بها ، وكان يعرفهم قبل ذلك ، فقالت ‏:‏ يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، هب لي رفاعة ، فإنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل ؛ قال ‏:‏ فوهبه لها ، فاستحيته ‏.‏

تقسيم فيء بني قريظة

قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسّم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين ، وأعلم في ذلك اليوم سُهْمان الخيل وسهمان الرجال ، وأخرج منها الخُمس ، فكان للفارس ثلاثة أسهم ، للفرس سهمان ولفارسه سهم ، وللراجل ، من ليس له فرس ، سهم ‏.‏ وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة وثلاثين فرسا ، وكان أول فيء وفعت فيه السهمان ، وأُخرج منها الخمس ، فعلى سنتها وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ، ومضت السنة في المغازي ‏.‏ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبدالأشهل بسبي من سبايا بني قريظة إلى نجد ، فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا ‏.‏

إسلام ريحانة

قال ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة ، إحدى نساء بني عمرو بن قريظة ، فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وهي في ملكه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليها أن يتزوجها ، ويضرب عليها الحجاب ؛ فقالت ‏:‏ يا رسول الله ، بل تتركني في ملكك ، فهو أخف علي وعليك ، فتركها ‏.‏ وقد كانت حين سباها قد تعصّت بالإسلام ، وأبت إلا اليهودية ، فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجد في نفسه لذلك من أمرها ‏.‏ فبينا هو مع أصحابه ، إذ سمع وقع نعلين خلفه ؛ فقال ‏:‏ إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة ؛ فجاءه فقال ‏:‏ يا رسول الله ، قد أسلمت ريحانة ، فسره ذلك من أمرها ‏.
‏ما نزل من القرآن في الخندق وبني قريظة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأنزل الله تعالى في أمر الخندق ، وأمر بني قريظة من القرآن ، القصة في الأحزاب، يذكر فيها ما نزل من البلاء ، ونعمته عليهم ، وكفايته إياهم حين فرج ذلك عنهم ، بعد مقالة من قال من أهل النفاق ‏:‏ ‏ {(‏ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ، وكان الله بما تعملون بصيرا ‏)} ‏ ‏.‏ والجنود ‏:‏ قريش وغطفان وبنو قريظة ، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح الملائكة ‏.‏ يقول الله تعالى ‏:‏ ‏ (‏ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ، وتظنون بالله الظنونا ‏) ‏ ‏.‏ فالذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة، والذين جاءوهم من أسفل منهم قريش وغطفان ‏.‏ يقول الله تبارك وتعالى ‏:‏ ‏ (‏ هنالك ابتُلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ، وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسلوه إلا غرورا ‏) ‏ لقول معتِّب بن قشير إذ يقول ما قال ‏.‏ ‏ (‏ وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ‏) ‏ لقول أوس بن قيظي ومن كان على رأيه من قومه ‏ (‏ ولو دُخلت عليهم من أقطارها ‏) ‏ ‏:‏ أي المدينة ‏.‏ تفسير ابن هشام لبعض الغريب قال ابن هشام ‏:‏ الأقطار ‏:‏ الجوانب ؛ وواحدها ‏:‏ قطر ، وهي الأقتار ، وواحدها ‏:‏ قتر ‏.‏ قال الفرزدق ‏:‏

كم من غِنى فتح الإله لهم به



والخيل مُقْعية على الأقـطـار

ويُروى ‏:‏ ‏(‏ على الأقتار ‏)‏ ‏.‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏ ‏ (‏ ثم سئلوا الفتنة ‏) ‏ ‏:‏ أي الرجوع إلى الشرك ‏ (‏ لآتوها وما تلبثُّوا بها إلا يسيرا ‏.‏ ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ، وكان عهد الله مسئولا ‏) ‏ ، فهم بنو حارثة ، وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين همتا بالفشل يوم أحد، ثم عاهدوا الله أن لا يعودوا لمثلها أبدا ، فذكر لهم الذين أعطوا من أنفسهم ، ثم قال تعالى ‏:‏ ‏ (‏ قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ، وإذا لا تمتعون إلا قليلا ‏.‏ قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا ، أو أراد بكم رحمة ، ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ‏.‏ قد يعلم الله المعوِّقين منكم ‏) ‏ ‏:‏ أي أهل النفاق ‏ (‏ والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ، ولا يأتون البأس إلا قليلا ‏) ‏ ‏:‏ أي إلا دفعا وتعذيرا ‏ (‏ أشحة عليكم ‏) ‏ ‏:‏ أي للضغن الذي في أنفسهم ‏ (‏ فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك ، تدور أعينهم كالذي يُغشى عليه من الموت ‏) ‏ ‏:‏ أي إعظاما له وفرقا منه ‏ (‏ فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ‏) ‏ ‏:‏ أي في القول بما لا تحبون ، لأنهم لا يرجون آخرة ، ولا تحملهم حِسبة ، فهم يهابون الموت هيبة من لا يرجو ما بعده ‏.‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام ‏:‏ سلقوكم ‏:‏ بالغوا فيكم بالكلام ، فأحرقوكم وآذوكم ‏.‏ تقول العرب ‏:‏ خطيب سلاّق ، وخطيب مِسْلق ومِسْلاق ‏.‏ قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ‏:‏

فيهم المجد والسماحة والنَّجْ



دة فيهم والخاطب الـسـلاقُ

وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏ ‏ (‏ يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ‏) ‏ قريش وغطفان ‏ (‏ وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم ، ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا ‏) ‏ ‏.‏ ثم أقبل على المؤمنين فقال ‏:‏ ‏ (‏ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ‏) ‏ ‏:‏ أي لئلا يرغبوا بانفسهم عن نفسه ، ولا عن مكان هو به ‏.‏ثم ذكر المؤمنين وصدقهم وتصديقهم بما وعدهم الله من البلاء يختبرهم به ، فقال ‏:‏ ‏ (‏ ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، وما زادهم الا إيمانا وتسليما ‏) ‏ ‏:‏ أي صبرا على البلاء وتسليما للقضاء ، وتصديقا للحق ، لما كان الله تعالى وعدهم ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ‏:‏ ‏ (‏ من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ‏) ‏ ‏:‏ أي فرغ من عمله ، ورجع إلى ربه ، كمن استشهد يوم بدر ويوم أحد ‏.‏

تفسير ابن هشام لبعض الغريب
قال ابن هشام ‏:‏ قضى نحبه ‏:‏ مات ، والنحب ‏:‏ النفس ، فيما أخبرني أبو عبيدة ، وجمعه ‏:‏ نحوب ‏.‏ قال ذو الرمة ‏:‏

عشية فر الحارثيون بعـد مـا



قضى نحبه في ملتقى الخيل هَوْبَرُ

وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏ وهوبر ‏:‏ من بني الحارث بن كعب ، أراد ‏:‏ يزيد بن هوبر ‏.‏ والنحب أيضاً‏:‏ النذر ‏.‏ قال جرير بن الخَطَفَى ‏:‏

بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا



عشية بسطام جرين على نحب

يقول ‏:‏ على نذر كانت نذرت أن تقتله فقتلته ، وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏ وبسطام ‏:‏ بسطام بن قيس بن مسعود الشيباني ، وهو ابن ذي الجدين ‏.‏ حدثني أبو عبيدة ‏:‏ أنه كان فارس ربيعة بن نزار ‏.‏ وطِخْفة ‏:‏ موضع بطريق البصرة ‏.‏ والنحب أيضا ‏:‏ الخِطار ، وهو الرهان ‏.‏ قال الفرزدق ‏:‏

وإذ نحبت كلب على الناس أينـا



على النحب أعطى للجزيل وأفضل

والنحب أيضا ‏:‏ البكاء ‏.‏ ومنه قولهم ‏:‏ ينتحب ‏.‏ والنحب أيضا ‏:‏ الحاجة والهمة ؛ تقول ‏:‏ ما لي عندهم نحب ‏.‏ قال مالك بن نويرة اليربوعي ‏:‏

وما لي نحب عندهم غير أنني



تلمست ما تبغي من الشُّدُن الشُّجْرِ

وقال نهار بن توسعة ، أحد بني تيم اللات بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل - قال ابن هشام ‏:‏ هؤلاء موالي بني حنيفة - ‏:‏

ونجَّى يوسفَ الثقفي ركض



دراك بعد ما وقـع الـلـواء

ولو أدركنه لقضين نحـبـا



به وكـل مُـخـطَـأَة وقـاء

والنحب أيضاً ‏:‏ السير الخفيف المَرِّ ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ ‏ (‏ ومنهم من ينتظر ‏) ‏ ‏:‏ أي ما وعد الله به من نصره ، والشهادة على ما مضى عليه أصحابه ‏.‏ يقول الله تعالى ‏:‏ ‏ (‏ وما بدلوا تبديلا ‏) ‏ ‏:‏ أي ما شكوا وما ترددوا في دينهم ، وما استبدلوا به غيره ‏.‏ ‏ (‏ ليجزي الله الصادقين بصدقهم ، ويعذب المنافقين إن شاء ، أو يتوب عليهم ، إن الله كان غفورا رحيما ‏.‏ و ردَّ الله الذين كفروا بغيظهم ‏) ‏ ‏:‏ أي قريشا وغطفان ‏ (‏ لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا ‏.‏ وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب ‏) ‏ ‏:‏ أي بني قريظة ‏ (‏ من صياصيهم ‏) ‏ ، والصياصي ‏:‏ الحصون والآطام التي كانوا فيها ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ قال سحيم عبد بني الحسحاس ؛ وبنو الحسحاس من بني أسد بن خزيمة ‏:‏

وأصبحت الثيران صرعى وأصبحت



نساء تمـيم يبـتـدرن الـصـياصـيا

وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏ والصياصي أيضا ‏:‏ القرون ‏.‏ قال النابغة الجعدي ‏:‏

وسادة رهطي حتى بَقِيْ



تُ فردا كصيصية الأعضب

يقول ‏:‏ أصاب الموت سادة رهطي ‏.‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏ وقال أبو دواد الإيادي ‏:‏

فذَعَرْنا سُحم الصياصي بأيدي



هنّ نَضْحٌ من الكُحـيل وقـار

وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏ والصياصي أيضاً ‏:‏ الشوك الذي للنساجين ، فيما أخبرني أبو عبيدة ‏.‏ وأنشدني لدريد بن الصمة الجشمي ، جشم ابن معاوية بن بكر بن هوازن ‏:‏

نظرت إليه والرماح تنـوشـه



كوقع الصياصي في النسيج الممدد

وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏ والصياصي أيضاً ‏:‏ التي تكون في أرجل الديكة ناتئة كأنها القرون الصغار ، والصياصي أيضاً ‏:‏ الأصول ‏.‏ أخبرني أبو عبيدة أن العرب تقول ‏:‏ جذّ الله صيصيته ‏:‏ أي أصله ‏.‏قال ابن إسحاق ‏:‏ ‏ (‏ وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ‏) ‏ ‏:‏ أي قتل الرجال ، وسبي الذراري والنساء ، ‏ (‏ وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها ‏) ‏ ‏:‏ يعني خيبر ‏ (‏ وكان الله على كل شيء قديرا ‏)‏

إكرام سعد بن معاذ في موته
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر بسعد بن معاذ جرحه ، فمات منه شهيدا ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني معاذ بن رفاعة الزُّرقي ، قال ‏:‏ حدثني من شئت من رجال قومي ‏:‏ أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قُبض سعد بن معاذ من جوف الليل معتجرا بعمامة من إستبرق ، فقال ‏:‏ يا محمد ، من هذا الميت الذي فُتحت له أبواب السماء ، واهتز له العرش ‏؟‏ قال ‏:‏ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد ، فوجده قد مات ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن قالت ‏:‏ أقبلت عائشة قافلة من مكة ، ومعها أسيد بن حضير ، فلقيه موت امرأة له ، فحزن عليها بعض الحزن ، فقالت له عائشة ‏:‏ يغفر الله لك يا أبا يحيى، أتحزن على امرأة وقد أُصبت بابن عمك ، وقد اهتز له العرش ‏!‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن الحسن البصري ، قال ‏:‏ كان سعد رجلا بادنا ، فلما حمله الناس وجدوا له خفة ، فقال رجال من المنافقين ‏:‏ والله إن كان لبادنا ، وما حملنا من جنازة أخف منه ، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال ‏:‏ إن له حملة غيركم ، والذي نفسي بيده ، لقد استبشرت الملائكة بروح سعد ، واهتز له العرش ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني معاذ بن رفاعة ، عن محمود بن عبدالرحمن ابن عمرو بن الجموح ، عن جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ لما دُفن سعد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبح الناس معه ، ثم كبر فكبر الناس معه ؛ فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، مم سبحت ‏؟‏ قال ‏:‏ لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره ، حتى فرجه الله عنه ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏ ومجاز هذا الحديث قول عائشة ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن للقبر لضمة لو كان أحد منها ناجيا لكان سعد بن معاذ ‏.‏ قال ابن إسحاق ‏:‏ ولسعد يقول رجل من الأنصار ‏:‏

وما اهتز عرش الله من موت هالك












عرض البوم صور eshrag   رد مع اقتباس