شعر - كو أون
: ترنيمة ـ تهويدة
يوسِّطُ بكاءه في الفضاء الفارغ
كسهم مخترق
أطلق من جانب
نحو الجانب الآخر.
ماذا يعني الفرح!
عند قدميَّ
يسقطُ البكاء
ومعه ألف ميل معًا.
طفلي، طفلي، نم؛
هيَّا استغرق في النَّوم.
46 : صورة ذاتية
الأغنية التي أنشدتُها
والأغنية التي لم أستطع غناءها
التقتا فاصطدمتا فوقي.
هل هذا أنا؟
ـ أهرول حاملا ضوء مصباح؟
هل هذا أنا؟
ـ أم هذا هو الأسف المضيء؟
*
47 : مارًّا بقرية جبلية
وأنا أمرُّ
كانت هناك قرية جبلية
تمنيت لو أنني ولدْتُ بها
عشب مروج تلك القرية
لصمتها العميق سحرٌ
لكنني دخلتُ إلى نفق، فقفزت من بين يديَّ.
نعم، نذرتُ أن أشغل نفسي مرة أخرى
حتى باقتفاء السحاب في السماء.
*
48 : عائد للوطن
عدتُ
حيث تزدهر القمامة
كما تنبتُ الأزهار.
ـ هذا هو العالمُ الذي أتوقُ إليه.
عدتُ
حيث تنمو الكراهية
كما يتكوّم الرَّوث.
ـ هذا هو العالمُ الذي أتوقُ إليه.
حيث أبصقُ وأسبُّ
سماء رمادية
حيث يشق الطريق بخشونة
الكناسُّون وقطاع الطرق،
وهم يصرخون الليل بطوله.
عدتُ
حيث ترتفع ضحكات البنات
وهن يبعن أجسادهن الرَّثة
الخضراء كجذور اللفت
حيث لا يعرف أحدٌ كيف
يرفعُ أحدٌ علمًا فوق الصاري
ـ هذا هو العالمُ الذي أتوقُ إليه.
*
49 : لكن
مر وقتٌ طويلٌ
أريدُ أن أكتُب مقالا
يبدأ بكلمة “لكن”.
متعتي الصغيرة
انطلقت كسهم
فشقت طريقها كما يُفْتَحُ السَّحَّاب
نحو المجهول.
بأي أرض حطَّ السَّهمُ؟
هناك حيث أريد
أن أكتبَ مقالا يبدأ بكلمة “لكن”.
*
50 : يدان فارغتان
في قلب عاصفة ثلجية
كنت أخطو فوق هضبة صغيرة
مع زوجتي، وابنتي بجانبي
في ساعات البكور الصباحية في أول أيام العام الجديد.
كنت أريدُ أشياء كثيرة آنذاك.
الآن أعرف نعيم الأيدي الخالية
التي تشبه ملابس جديدة
وتجعلني أحلِّق.
51 : نسيانٌ
الجميع ينسون شيئًا ما.
تتكوم من الماضي
الأشياء المنسية
لتملأ القلب
مثل غبار
يهب من سلسلة جبلية.
*
52 : صعود هضبة السَّاري
أنظرُ إلى قمم الجبال ذات الفوهات العارية الضيقة
بشقِّ الأنفس، تتحاشى بيوت القرية الانهيار.
وهي تميل على هضبة الساري في موتشو بمقاطعة تشولا الشمالية،
فيما تستحث شمس الشتاء الطريق نحو الظلام.
في الحافلة المحلية،
كانت هناك حفنة من الركاب الصامتين.
ومثل شمعة ذاب نصفُها،
كانت امرأة شابة
منهكة تمسك بطفلها القلق.
أكان ذلك عند تخوم كومسان
أم كان ذلك في الحدود الشمالية للبلاد؟
كانت تملأ الحافلة صرخاتُ الطفل الباكية،
لم يكن يجدي مسعى الأم لتهدئة الطفل.
أي أمر قد يفيض
بالحزن والمعاناة لطفل صغير كهذا؟
إنها أضواء موتشو الباردة في هذا العالم،
حيث لا يوجد عالم سواها.
*
53 : أوهام
شعاعٌ غيرُ مرئي
من ضوء فوق بنفسجي
خلاله
أرى أوهامك الكبرى تضيء
لتصبح زهرة تدعو فراشة.
الأوهامُ! إنها رحمُ الإزهار.
*
54 : بدرُ العام الجديد
يومٌ شتائيٌّ قارس، إنه أول بدر في العام الجديد،
يوم مميز.
مشغولة ربة البيت، منذ الصباح الباكر،
تعرف أن الشحاذين سيمرُّون،
تضع إناء حبوب الأرز الخمسة عطفا منها
فوق البلاطة الحجرية خارج الدار
التي تقف بجوار البوابة الخشبية المحاطة بالغصون،
بطبق مسطح وحيد فيه فروع نبات الحمل.
عمَّا قريب، سيأتي شحاذ عجوز يتجمَّدُ من البرد،
هيَّأ نفسه ليدور داخل الجُرن، لكنه في النهاية
يضع الأرز بجيبيه ويمضي في طريقه.
ليت لنا ثلاثمائة وستون يومًا في العام مثل هذا اليوم!
ستنتفخ حقيبته عمَّا قريب.
وحين يغادرُ القرية، بعد أن أكمل دورته،
يهرول إلى شحَّاذٍ آخر:
مصادفة سعيدة!
“لم يعد لك مكان تذهب إليه هناك، فقد انتهيتُ منهم جميعًا!
دعنا نحتفل بتمام البدر أيضا”!
التقطا الغصون الجافة، وأشعلا نارًا
ليرسلا الدفءَ في بدنيهما، وبعد ذلك
يأخذون حفنات الأرز التي جُمعت من هذا البيت وذاك،
حتى كادا يختنقان وهما يضحكان بفمين ملؤهما الطعام،
حتى وصلت الأخبار إلى سرب من الغربان
فحلقوا حولهما بأجنحة تصفق الهواء.
*
55 : قمرٌ
في كل مرَّةٍ يطلعُ القمرُ، كانت تصلي.
حتى أنجبت أم وول ـ نام في النهاية ابنًا.
كانت في أحلامها قبل أن تحمل،
تبتلعُ القمر.
وبعد مولدِ طفلها، كادت أمُّ وول ـ نام
أن تفقدَ عقلها
دون انقطاع
في كل مرة كان يطلعُ فيها القمرُ.
في نهاية ليلة ما، كانت تغسل الأطباق،
فإذا بها تحطم زبدية فخارية،
وإذا بالقمر يختفي في سحابة،
ويكف بصر العالم.
*
56 : ربيع صغير
بدون ربيعها الصغير،
ما الذي يجعلُ من قرية يونجتون، قرية؟
ندف الثلج تتساقط، دون توقف،
في قلب مياه الربيع الداكنة،
وتذوب.
ماذا يعني سكون السكون،
وزوجة يانج ـ سول،
تلتحف الثلج، وتذهب لسحب الماء،
تنزل دلوها الصَّغير
حتى يصل إلى قاع البئر ولكن تنسى أن تسحب الماء،
وهي تشاهد ندف الثلج تموت:
هذا هو سكون السكون.
*
57 : وقتٌ مع الشعراء الميتين
نحنُ في منطقة واحدة من الكون،
أحيانا ما تكونُ برية عديمة الرَّحمة،
وأحيانا تكون رحم الرَّحمة.
هنا، كلٌّ منا
ليس مجرد شاعر حي وحيد.
هنا، نحن الشعراء الأحياء، تبدل حالنا
أصبحنا شيئا آخر، تحولنا إلى وطن غريب.
لا صوت يمر وراء تخوم الانقراض.
تئن أجسادنا حين تحت الثقل،
وأحينا تكون أخف من قلوبنا.
أرواح الشعراء الموتى
دخلت جسد كل منا،
وهي تطوي أجنحتها، وتتخذ منا سكنًا، فنصبحُ أكثر وزنًا.
أنا أكثرُ من نفسي،
وأنتم أكبر من ذواتكم.
نحنُ نُغنِّي بلسان العالم،
بلغة جديدة ابتكرها الشعراء الميتون.
بدأنا وحدنا
ثم أصبحنا معًا. فخفَّ متاعُنا.
مثل موجاتٍ تنفجر عاليًا على هيئة أعمدة عملاقة، كدوَّامةٍ مجنونةٍ،
ثم، في الصباح التالي، نهدأ مرة أخرى،
كنوارس خرجت من مخابئها بعد أنتهى الفزع،
فلم تعد ترتعش،
ومضت تحلق عاليا، ترسم أجمل الدوائر وأكملها،
مات واحد.
مات شاعرٌ، همس أحدُهم.
في أزمنة، كان النهارُ طويلا كما لو كان أمعاء تنمو ببطء؛
في أزمنة سواها، كان النهارُ قصيرًا كما لو كان جناح طائر نورس صغير،
ولأن ما تبقى من حياة الشعراء الميتين تم تقريره
ففي قلب كل حياة منا تولد أسطورة.
في فراغ فوق السهل على ارتفاع خمسة آلاف متر
كان هناك طائر نورس ذابلٌ ونحيل يحلق.
منذ زمن بعيدٍ، سحيق،
اقتربت على نحو سريع قارة، فاصطدمت.
ومن ثم أضحى ما كان ذات يوم بحرٌ يفورُ
جبال الهيمالايا.
فقدت النوارسُ محيطَها.
فصرخت عاليًا.
لا بد أن هذه النوارس جيل ثان، أو ثاني عشر، إن لم تكن الثاني بعد ألف وثلاثمائة،.. ويأتي زمن آخر، يأتي زمنٌ آخر.
لتصبح صيحاتها في النهاية أغنيات، وتغدو قصائد.
من ثم، فإن كلا منا،
هو شاعرٌ حيٌّ.
لسنا مجرد شعراء أحياء وحيدين
لكن شعراء ثلاثة، سبعة شعراء، أحد عشر شاعرًا، في هذا العالم، والعالم الذي يليه.
نحن ذوو الحساسية الأشد،
في كل زمن مررنا به.
الآن زمن التذكارات التي نتركها للأرواح الأخرى،
تذكارات ينسبها أحدٌ لكل منا.
إن لقاءنا هنا سيترك لا محالة مشاهد من رحيل متعدد وموت متجدد
في أماكن شتى، وليس هنا فحسب.
هاهنا!
في وطننا بحيرة. مدهشة.
على سطح مياهها، تطفو
بين إغماض عين وفتحها،
زهرة ليلك بيضاء.
ما أبأس شاعر لم يكتب مرثاة.
يجب أن نحمل على عاتقنا أحيانا بأس ذلك البؤس
لنكتب مرثاة جديدة،
إنها اسم آخر لأغنية حب. لزهرة.
نعم! نحن بحاجة للحزن.
فلا تزال البحيرة تذكرُ بحرها القديم.
*
58 : جَدِّي من جهة الأم
تشو وي هونج ـ كوان، جدُّنا من جهة الأم،
كان طويلا لدرجة أنه يكاد يصل بيديه للإفريز العالي،
فينظف عش عصافير الدوري تحت السقف.
دائمًا ما كان يضحكُ.
لو منح شحَّاذًا لقمة يأكلها،
يكون أول المسرورين.
لو أن جدتنا يومًا تكلمت بحدة إليه،
سيضحك، ولا يولي لكلماتها اهتمامًا.
ذات مرة، حين كنتُ صغيرًا، أخبرني:
“انظر، لو كنست الفناء جيِّدًا
فسوف يبتسمُ الفناء،
وسيضحكُ معه السياجُ.
حتى أن براعم الصباح على السياج
سوف تضحك”.
*
59 : ثاني شقيقات أبي، كي ـ تشانج
تزوَّجتْ.
ثم هجرتنا وعادتْ.
داست زهور البلسم فهرستها حتى ماتت بين أظافرها.
وصبغت أظافر أصابع يديها العشرة،
ولم تقل شيئًا،
حتى حين كانت تطالعُ أفق السماء البعيد.
*
60 : أصغر أبناء العجوز جائي دونج
تتساءلُ في عجب كيف لمثل هذا الصغير أن يغني بتلك البراعة.
حتى أنه يغني نسخة أبيه الوحيدة من أغنية يوكي جاباثجي الفلكلورية.
يغني أبرع مما يفعل الأب نفسه.
ويحلق عاليا، عاليا، مثلما يطير سرب اليعسوب في آخر الصيف.