تحمل مسـؤولية أفعالك واعترف بأخطائك
الحمل الثقيل :
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته " فأبرز سمة للقائد أنه مسؤول عن أتباعه ، أنه مسؤول عن الوصول للهدف المراد ،يقول ويليام كوهين " بمجرد توليك القيادة تكون أنت وحدك المسؤول عن بلوغ الهدف ." ويقول أيضا " ويمكنك تفويض القيام بمهام معينة إلى آخرين ممن تقود ولكن ليس ثمة سبيل لتفويض المسؤولية وليس هناك أيضا من فرق بين ما إذا كان أداء مرؤوسيك جيدا أو رديئا أو ما إذا كانوا ينفذون تعليماتك لهم "
ولذلك القيادة حمل ثقيل لا يصلح لها إلا أصحاب الشخصيات القوية والهمم العالية ،فحقيقة القيادة هي تولي المسؤولية ، ولك أن تتأمل حينما تكون قائدا على مجموعة من البشر فأنت المسؤول عنهم وعن جميع تصرفاتهم و لذا فلا تعجب عندما طلب أبو ذر من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوليه الإمارة قال له : يا أبا ذر إني أراك ضعيفا وإني أحب لك ماأحب لنفسي لا تأمرن على اثنين " بل إن الأصل في دين الإسلام عدم طلب الإمارة و القيادة لعظم شأنها و خطورة عاقبتها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة " لا تطلب الإمارة، فإنك إن طلبتها فأوتيتها، وكلت إليها، وإن لم تطلبها أعنت عليها "
ولذا فتأمل في هذا المثال الذي يضربه المشير هاب أرنولد قائد القوات الجوية الأمريكية إبان الحرب العالمية الثانية في كتابه "طيار الجيش" مشيرا إلى تلقي أحد القادة الأسراب الجدد رسالة من قائد وحدته يقول له فيها "لقد أفرط في الشراب في نادي الضباط ليلة أمس [أحد الضباط ] فلا تدع هذا يحدث ثانية " و كانت المشكلة أن هذا القائد الشاب لم يذهب أبدا إلى نادي الضباط في تلك الليلة المعنية بالذكر ،ولم يبال االقائد الشاب بفحوى الرسالة ولم يقرر فعل شئ . بعد مرور عدة أيام تلقى القائد الشاب رسالة أخرى" هذا إنذار أخير ""
هذه المرة شعر القائد الشاب بالحيرة الحقيقية لأنه لم يكن في النادي في تلك الليلة أيضا ولكنه اتصل هذه المرة بنائب قائد الوحدة ليناقش الأمر معه .
كان النائب يفهم الموقف تماما فقال له "أيها الرائد إنك لم تعد مسؤولا عن نفسك فحسب بل أنت الآن مسؤول عن تصرفات جميع من في سربك وأنت شخصيا لم تفرط في الشراب في نادي الضباط و لكنه أحد أعضاء سربك وأنت مسؤول "
نتيجتان غير محببتين :
لعلك أيها القارئ قد تضيق ذرعا بهذا الكلام و تقول كيف يمكن ذلك ؟ كيف يمكن أن تكون مسؤولا عن جميع تصرفات أتباعك؟! إلا أننا دعنا نعترف بالحقيقة أن هذا شئ بالفعل ضروري و لا يكون الشخص قائدا بحق إلا حينما يتحمل المسؤولية كاملة ،
وإلا نتج عن عدم تحمله المسؤولية أمران خطيران :
الأمر الأول : أن أتباعك و مرؤوسيك لن يرضوا بك قائدا لهم . و أبسط دليل على ذلك ضع نفسك مكانهم ، هل كنت ترضى أن يكون قائدك غير مسؤول عنك ؟ إذن كيف يقودك ؟ ما الذي يعطيه لشرعية القيادة إذا كان غير مسؤول عنك وعن تصرفاتك ؟! يقول ويليام كوهين " تذكر أن العقد ينص على أن القيادة مقابل المسؤولية وعندما لا تتحمل مسؤولية المجموعة التي تقودها ، فأنت بذلك تنتهك هذا العقد "
الأمر الثاني : سيتم عزلك عن القيادة من رئيسك الذي يتولى الإشراف عليك ، وأبسط دليل على ذلك أن رئيسك حينما يعينك قائدا في مكان ما يريدك أن تثبت له أنك شخص يمكن الاعتماد عليه فإذا لم تكن مسؤولا عن هذا المكان فكيف يمكن الاعتماد عليك ؟!
يقول الفريق أول بل كريتش – الذي تقاعد من خدمته بالقوات الجوية الأمريكية ويعمل الآن لكثير من الشركات الرائدة – إنه يمكن ولا بد من تعليم القادة " تحمل المسؤولية الشخصية عن إيجاد غرض مشترك وتحقيق نجاح مؤسسي "
اعترف بأخطائك :
" يشغل أندرو س. جروف منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير العام التنفيذي بشركة إنتل كوربوريشن ، هذه الشركة –التي أسس جروف معظمها بجهوده – ليست مصنفة فقط ضمن قائمة مجلة فورتشن لأكبر 500 شركة في أمريكا ولكنها أيضا واحدة من أفضل مائة شركة في أمريكا بالنسبة لظروف العمل فيها ومع ذلك فإن فورتشن تطلق على آندي جروف أنه واحد من أشد عشرة رؤساء قسوة يمكن العمل معهم في أمريكا . لكن ما الذي يقوله جروف حول تحمل المسئولية والاعتراف بالأخطاء ؟ هيا نستمع إليه يقول " كلنا نحن العاملين – في الإدارة (وفي التدريس والحكومة وتربية الابناء) رجالا ونساء كبارا وصغارا – نخشى فقدان الاحترام الذي اكتسبناه بشق النفس إذا اعترفنا بأخطائنا ولكن في الواقع إن الاعتراف بالأخطاء دليل على القوة و النضج والإنصاف "
لتعلم أيها القائد أنه كلما ازدادت ثقتك بنفسك كلما صرت أقدر و أشجع على الاعتراف بأخطائك ، وقد صدق جروف إذ ذكر أن الاعتراف بالأخطاء هو دليل على القوة و النضج و الإنصاف أكد على ذلك ديل كارنيجي حيث قال " وأي شخص يمكنه أن يحاول الدفاع عن أخطائه – وهو ما يفعله الكثيرون – ولكن مما يضيف لقيمة الشخص ويعطيه شعورا بالنبل والبهجة أن يعترف بأخطائه " نعم هذه هي الحقيقة في صورتها البسيطة التي لا تحتاج إلى تعقيد حينما تعترف بأخطائك فهذا يدل على ثقتك بنفسك وعلى احترامك للقيم والأخلاق وبالتالي تزداد ثقة الناس فيك ، ويزداد اعتمادهم عليك لأنك صريح مع نفسك أولا وصريح معهم ثانيا وبالتالي تستحق أن تكون قائدا حتى ولو أخطأت لأنه ما من أحد من البشر إلا وهو يخطئ ، ولكن المشكلة لا تكمن في الخطأ وإنما تكمن في سلوكنا مع الخطأ ؛هل سنكون صادقين مع أنفسنا و مع الآخرين ونعترف بالخطأ ونحاول إصلاحه، أم نعيش في دوامة الصراع و تعليق أخطائنا على شماعة الآخرين و نصير كالنعامة التي تدفن رأسها تحت التراب ؟! هذا هو الفارق بين القائد الحقيقي و غير القائد .
منقول
|