النبى قدوة للمؤمنين
قال الله ( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ) .
لذلك مضى المسلمون يقتدون به عليه السلام ويمضون على أثره فى كل ما لم يكن خصوصية له فى نفسه أو فى نسائه ، حتى لقد كان بعض أصحابه يحرص على أن يتتبع أثره فى أمور عادية لا صلة لها بالعبادة ، كما كان عبد الله ابن عمر يفعل حين يسافر بين مكة والمدينة فينزل عن راحلته فى موضع كان النبى قد نزل عنده ذات يوم ، ولم يكن لعبد الله ابن عمر من حاجة فى هذا المنزل الذى نزله سوى أن يفعل ما كان النبى قد فعل دون حكمة تدعو إليه أو غرض يتحراه منه . وكذلك كان بعض أصحابه عليه السلام يفعل ما لاحكمة له ولا داعى إليه سوى مجرد الامتثال لآمره ، فيجلس على باب المسجد أو فى السوق ، لا لشىء إلا لأنه سمع صوته آمرا المسلمين أن يجلسوا ، فاذا الرجل يجلس حيث بلغه صوته ، ثم يظل جالسا حتى يمر به النبى فيسأله ما الذى جعله يجلس على هذه الصورة التى لم يتعارفها الناس فيقول له الصحابى الجليل : لقد سمعتك تأمر المسلمين أن يجلسوا ، فحين إنتهى صوتك إلى مسمعى جلست حيث ترانى .
جار للرسول دعاه إلى طعام فلم يستجب له حتى شملت الدعوة
فهكذا كان المسلمون يطيعونه ويتحرون الآقتداء به والأخذ بسنته فى كل شأن من شئون الحياة سواء منها الجليل والدقيق وما يتصل بشئون الدنيا وما يتصل بشئون الدين ، فيما عدا شيئا واحدا لم تتظاهر الآخبار بأنهم حرصوا عليه واقتدوا به فيه ، وهو أن يصحب أحدهم زوجته فى ادائه حقا أو إجابته دعوة أو زيارته دار جار أو صديق ، مع أن رسول الله فعل هذا ، على ما يروى مسلم والنسائى عن أنس رضى الله عنه أن جارا لرسول الله فارسيا صنع الطعام ثم دعاه إليه ، فرغب عليه السلام فى أن تصحبه زوجته عائشة ، ولكن الرجل لم يوجه الدعوة إليها مع النبى ، ولهذا لم يستجب عليه السلام هذه الدعوة فردها مرتين ، حتى إذا كانت المرأة الثالثة وجه الرجل الدعوة إلى زوجة رسول الله معه فقبل النبى وقام ومعه زوجته فأتيا منزله وطعما من طعامه .
وليمة عرس ، إستجاب لها الرسول هو وأصحابه ، فقامت العروس تشرف على خدمتهم
وفى حديث آخر أن أبا أسيد الساعدى أحد أصحابه جاء إليه ذات يوم يدعوه مع أصحابه إلى وليمة عرس فاستجاب الدعوة ، فلما إجتمعوا فى دار الداعى قربت إليهم عروس الساعدى نفسها الطعام وقامت تشرف على خدمتهم حتى إذا فرغوا من طعامهم قدمت إلى النبى نقيع تمرات كانت قد أعدته له من قبل .
فهذان خبران ترويهما الصحاح من كتب السنة ، وأحدهما يدل على أن النبى حرص فى اصرار شديد على أن تصحبه زوجته إلى مأدبة غداء أو عشاء فى دار جار أجنبى غريب ، وثانيهما يدل على أن للمرأة أن تستقبل مع زوجها ضيوفه وأن تقوم بتكريمهم وتشرف على خدمتهم .
أذن يسوغ للناس ما أساغ النبى
وكلا الخبرين يسوغ للمسلم أن يصحب زوجته إلى المآدب يقيمها جار أو صديق ، كما يسوغ له أن يدع زوجته تستقبل ضيوفه وأن تشرف بنفسها على تكريمهم ، وكلا الخبرين يتقرر به أن هذه الصور ليست مما يأباه الاسلام ، وأن الآختين بها من أبناء الامة الإسلامية فى عصرنا الحاضر لا يأخذون بجديد وافد عليهم ولكنهم يأخذون بسنة عريقه سنها لهم رسول الله وإن كانوا أغفلوها فلم يأخذوا بها ولم ينزلوا على حكمها .
ومن أجل ذلك كان غريبا أشد الغرابة أن يستقر فى المجتمع العربى الاسلامى عرف بالحجاب الثقيل الذى فرض على المرأة فحيل بينها وبين مجالس الرجال ، مع أن النساء فى هذه المجالس حواجز على الكلمات النابية ، ودافع إلى أن يؤثر الرجال اللائق من السلوك ويتخيروا المحتشم من الكلام ، فاذا المجتمع بهن على ذلك أقرب إلى الصورة التى حرمتها محتاجة أبين حاجة إليها مجالس المسلمين .
أن الرجل بحكم الفطرة التى فطر الناس عليها شديد الحرص على الظفر بتكريم المرأة له وإحترامها إياه ، فهو لذلك يبذل من ذات يده ، بل من ذات نفسه ، ما يقربه إليها ويظفره بتقديرها له وإعجابها به .
وآية ذلك خبران :
خبر أبى البخترى بن هشام
أحدهما ما يرويه إبن هشام من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه فى موقعة بدر : من لقى منكم أبا البخترى بن هشام فلا يقتله ، فإنه كان لايؤذى المسلمين بمكة ولا كان يأتى إليهم شيئا يكرهونه ، ولقد قام فى نقض الصحيفة التى تعاهد فيها المشركون على مقاطعة بنى هاشم مقاطعة كاملة فلا يصهرون إليهم ولا يتعاملون معهم حتى يضطروهم إلى التخلى عن رسول الله ، وإنطلق أصحاب النبى يبحثون عن أبى البخترى بن هشان فلما ظفروا به فى ساحة المعركة أخبروه أن رسول الله قد عفا عنه وأنه قد نهاهم عن التعرض له ، وكان يسير مع أبى البخترى هذا زميل له فقال لهم : وهل نهاكم محمد عن قتل زميلى هذا أيضا كما نهاكم عن قتلى ؟ فقالوا له : إنه لم يتحدث إلينا بذلك فنحن نتركك دون زميلك ، فقال الرجل العربى الجاهلى إذن والله لأموتن أنا وزميلى جميعا ، والله لاتتحدث عنى نساء مكة أنى تخيلت عن زميلى حرصا على الحياة .
خبر عيسى بن مصعب بن الزبير
وثانى لخبرين وقع فى خلافة عبد الملك ابن مروان ، والاسلام لايزال غضا فى نفوس المسلمين . وخلاصة الخبر _ نقلا عن المؤرخ الثقة ابن ابى الحديد _ أن عبد الملك بن مروان حين سار إلى قتال مصعب بن الزبير بنفسه وتقاعد من مصعب أصحابه وقواده وخذلوه ، فأمر إبنه عيسى أن ينجو بنفسه إلى مكة وأن يخبر عبد الله بن الزبير بما صنع أهل العراق به ، وأخبره أنه لامحالة مقتول ، فقال له إبنه عيسى : لا والله . لاتتحدث نساء قريش أننى فررت عنك ، ولكن أقاتل دونك حتى نقتل . ثم قاتل دونه حتى قتل .
كلاهما طلب حسن الاحدوثة عند النساء
فهذان حديثان . أحدهما جرى على لسان عربى جاهلى ، وثانيهما على لسان مسلم حفيد للزبير بن العوام ، وكلا الرجلين اللذين جرى الحديث على لسانيهما مضى الى الموت غير ضائق به ولاناكل عنه لا لشىء سوى حسن الاحدوثة عنه عند نساء مكة أو عند نساء قريش ، وكان المتوقع من حفيد الزبير بن العوام أن يذكر فى هذا الموطن مرضاة الله وحسن ثوابه لا نساء قريش وإبتغاء مرضاتهن وتجنب سوء الاحدوثة عنه منهن .
أثر المرأة فى حياة الرجل أثر بالغ
أن المرأة فى حياة الرجل ذات أثر بالغ ، وفى كيان المجتمع كله ذات معنى جليل ، فالضيق بها وفرض الحجاب عليها حجابا كثيفا يحول بينها وبين مجالس الرجال هو تصرف ليس له من الاسلام سند ، وليس له فى المجتمع ثمرة ، بل إنه على العكس من ذلك ذو نتائج سيئة بالغة السوء ، وخير من حجاب المرأة والنظر إليها على إنها وسيلة شر أن نلفتها إلى ما يوفر للمجتمع الانتفاع بها وما أكثر الوجوه التى ينتفع الناس بالمرأة فيها إذا أحسن توجيهها وإستنقذت من براثن الجهالات والضلالات .
لو كان التعصب لحجاب المرأة الدين لكان الخطب سهلا
على أن الذين يتعصبون لحجاب المرأة ويحرصون على الدعوة إليه ويسوغونه للقائمين به لو كان دافعهم إلى ذلك هو الدين لكن الخطب به سهلا وقبوله أمرا ميسورا ، ولكنهم فى ذلك كله لايصدرون عن الدين بدليل إنهم يقسمون النساء قسمين : قسم يعمل فى القرى والبوادى بغير حجاب فلا يتعرض للحديث عنهن أحد ، وقسم فى المدينة يعمل أو لا يعمل وهن محجوبات مستورات ، فالحديث عن الحجاب دائما يجرى حول هذا القسم الثانى ، فالأمر إذا ليس أمر دين ، والا كان الحكم منسحبا على المرأة حيث كانت وكيف كانت فى البادية أو فى الحاضرة ومن الفقيرات أو من صواحب الثروات .
ما أحوجنا إلى العدل فى قضائنا والنصفة فى أحكامنا والنظر إلى حياتنا بالعين التى ترى الحق فتقصد إليه نقيا من الاهواء بعيدا عن الأثرات والشهوات .
10-04-2006, 12:04 PM
العرض العادي
