الصفحة 11
خطاب 13 جانفي
يوم 13 جانفي قرر بن علي أن يتوجه بخطاب الى الشعب على أمل أن يعيد الهدوء.. سأكتشف ذلك اليوم -مساء الخميس- ككل المشاهدين تصريحات الرئيس التى تتدعو الى المصالحة و التعقل والالتزام من الرئيس بعدم الترشح فى انتخابات سنة 2014, و أن يكرس التعددية الحزبية, ويحترم حكم صندوق الاقتراع و حرية التعبير, وأؤكد هنا أنى لم أتدخل بتاتا فى الأمر ولا فى قراراته ولا فى خطابه الذى أعده مع مستشاريه عبدالعزيز بن ضياء و عياض الودرني و مستشاره السياسي عبدالوهاب عبدالله. ادعى البعض أن المسمى حكيم القروي –وهو رجل أعمال تونسي فرنسي- تدخل لاطفاء الوضع المشتعل و ضبط ايقاع التدخل الرسمي.. أؤكد هنا أن زوجي لم يلتقى هذا الرجل مطلقا ولم يطلب خدماته. لم يطلب مساعدة الا الذين ذكرتهم لكتابة نص المقال قبل أن يحوله الرئيس الى اللهجة التونسية..
فى هذا الخطاب قال الرئيس "لا يجب استخدام الرصاص الحي".. البعض استنتج أن الرئيس أمر قبل ذلك باطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وها هو الآن يأمر بوقفه.. هذا الكلام أقل ما يقال فيه أنه تجنى وافتراء...
أولا ليس الرئيس من يقرر سياسة التدخل الأمنى الميداني أثناء "الاضطرابات".. هذا ليس دوره. ولا وزير الدفاع و لا وزير الداخلية يحملون المسؤولية عن ذلك.. هي لجنة مكونة من مسؤولين فى الداخلية و فى حالة الطوارئ ينضم اليها جنرالات من الجيش.. هاته اللجنة شكلت من قبل السرياطي وبطلبه... فى هاته الحالة كل القرارات و الاتصالات مسجلة فى قاعات عمليات معدة خصيصا لمثل هذه الظروف. كل التحركات و العمليات تدار و توجه من هاته القاعات...
يوجد 3 قاعات للعمليات الاولى فى قصر قرطاج و الثانية فى وزارة الدفاع و الثالثة فى وزارة الداخلية.. المسؤولون على هاته القاعات ملزمون بتسجيل كل الاتصالات بين الرئاسة والداخلية و الدفاع سواء كان الاتصال بالهاتف القار أو النقال أو الراديو. منطقيا, يكفى أن يتم الرجوع الى هاته التسجيلات للاطلاع على كل المكالمات و التعليمات بما فيها الصادرة عن الرئيس.. وكأن بالصدفة أن يقال اليوم أن نظام التسجيل تعطل يوم 14 جانفي. هذا مستحيل. هاته القاعات مصممة لتترك آثار كل الاتصالات.. وفى صورة تعطل أحد الأنظمة توجد أجهزة مناسبة لاصلاح العطل. وفى صورة خلل عام فى كل الأنظمة –وهذا شبه مستحيل- المسؤولون عن هاته يجب أن يدعو الى المحاكم للتحقيق معهم لأن الأمر يوحي بوجود تخطيط عى أعلى المستويات للارباك و طمس الأدلة...
ومن نافلة القول أن القضاء الحالي سيبرهن على نزاهة و مصداقية اذا دعى مديري قاعات العمليات للتحقيق معهم .. هؤلاء ولاشك يعرفون الكثير... وسنرى ان كان أمر اطلاق النار صادر عن الرئيس.. يكفى أن نستمع الى آخر مكالمة للرئيس مع وزير الداخلية رفيق الحاج قاسم قبل رحيله.. بن علي قال بالحرف " شرطتك تطلق النار بسهولة. لقد سمعت بسقوط قتلى وهذا غير مقبول!" فرد الوزير "أعوان الشرطة كانوا فى حالة دفاع شرعي عن النفس, سيدي الرئيس ضع نفسك مكانهم, هاجموا مراكزهم وسرقوا أسلحتهم, وأرادوا قتلهم.. هم مجبرون على الدفاع عن أنفسهم... "
الحلقة 12
أعجبنى خطاب الرئيس مثل العديد من المواطنين الذين خرجوا فى مختلف الولايات معبرين عن فرحتهم به. ادعى البعض أن الزغاريد و مظاهر الفرح ما هي الا مسرحية من تنظيم التجمع, هذا غير صحيح فهؤلاء هم مواطنون من عامة الشعب خرجوا بتلقائية و عفوية, التجمع كان عاجزا عن تنظيم أي شيء فى تلك الليلة.
هل سيعيد هذا الخطاب الهدوء للبلاد و يهدئ النفوس.. لعل هذا الأمر كان سيحدث ان لم يكن هناك من داخل البلاد وخارجها من أخذ أوراق اللعبة بين يديه و استعد لتسلم مقاليد البلاد مهما كان الثمن.
فجر يوم الجمعة ...
يوم 14 جانفى صباحا, تلقى زوجى فى متكبه معلومة مهمة للغاية من مروان مبروك مفادها أن مستشارا فى الايليزي "القصر الرئاسي الفرنسي" حذره أن أحد الحراس الشخصيين للرئيس وقع تكليفه باغتياله.. هل هاته المعلومة صحيحة؟ أم أن هذا الأمر جزء من السيناريو المعد لابعاد الرئيس فى أقرب وقت بالاتفاق مع علي السرياطي الذى كان على الاتصال فى ذلك اليوم مع المدير المركزي للاستخبارات الداخلية الفرنسية برنارد سكارسيني.
الانقلاب كان معدا فجر 14 جانفي.. منذ الصباح أَفرغ قصر قرطاج ثم بدأ تحريض متساكنى الأحياء الفقيرة على الخروج الى الشارع...أثناء ذلك امتلأ شارع بورقيبة بالمتظاهرين الشباب معتقدين أن لا أحد يحركهم.. الصور كانت جاهزة .. ووسائل الاعلام فى الموعد, الاذاعات بثت نفس خبر "الهروب المزعوم" للرئيس, رفعت الأعلام, كلمة "ارحل-ديجاج بالفرنسي- " كتبت على اللافتات على عجل. كل شيء كان يسير فى نفس الوقت...
كما قلت سابقا لجنة الأزمة التى شكلت بداية المظاهرات تتكون من ممثلين عن الداخلية و الدفاع, ممثلو الداخلية مهمتهم حفظ الأمن العام و ممثلو الدفاع فى عهدتهم تأمين الأماكن الحساسة, مثل الاذاعة و التلفزة الوطنية, الوزارات, البنك المركزي, الشركة التونسية للكهرباء و الغاز..الخ...فى الأيام الأخيرة التى سبقت 14 جانفى عندما تجاوز الأمر وزارة الداخلية و أعلنت حالة الطوارئ تم استدعاء الجيش لانقاذ البلاد و تأمينها بمساعدة الأمن .. أخذ الجيش الأمر بيده متجاهلا الاضطرابات الموجود فى البلاد..
وفى هذا الصدد وجب فتح ملفات التحليلات البالستية التى ضلت سرية "التحليلات التى تخص أنواع الرصاص المستخدم" حتى يتم معرفة قتلة المتظاهرين ان كانوا من الأمن أو من الجبش. طبيعة الرصاص المستخدم تظهر ذلك بسهولة. سرت فى ذلك اليوم اشاعة كالنار فى الهشيم مفادها أن الجنرال رشيد عمار رفض اطلاق الرصاص على المتظاهرين مما أغضب الرئيس وقام بفصله.. هذا الأمر لا أساس له من الصحة, فالرئيس بن علي اتصاله يكون أولا بوزير الدفاع و بالاتفاق معه تؤخذ القرارات... فيما عدى ذلك علاقة الرئيس جيدة مع ذلك العسكري الذى كان سيحال على التقاعد منذ فترة طويلة غير أن الرئيس أبقاه لأغراض مهنية, الى أن منحه رتبة "فريق".. وفى كل هاته الفترة لم يستدعه مطلقا ولم يفصله كما أشيع...
أعتقد جازمة أن من دبر الانقلاب – ووجب أن نسمى هنا الأمور بمسمياتها - ليسوا من وزارة الداخلية عدى أن يكون البعض قد تم استخدامه.. ولكن الأكيد أن لا دخل للداخية فى هذا الأمر هذا ما أستطيع قوله.
يتبع .....