تعلمــــــــــوا واجتهــــــــــــــــدوا!
بقلم: د. مصطفي محمود
إذا كان في جيبك بضعة ملايين فإنه يمكنك عن طريق التليفزيون وعن طريق شركات الاعلان أن تفرض علي السوق بضاعة رديئة درجة ثالثة وتروج لها عن طريق أغنية دمها خفيف ورقصة خليعة وابتسامة جذابة بعرض الشاشة وضحكة جنان مع ترقيصة حواجب وطبال محترف يعرف من أين تؤكل الكتف ومصور فيديو كليب حدق يعرف كيف يقطع الصور... ولايهم ماذا تعلن عنه.. ممكن أن يكون سم هاري ولحمة مفرومة مضروبة وسندوتش زبالة وهامبورجر انتهي تاريخ استهلاكه وأطعمة فرنكشتين وارد أرصفة نيويورك.. المهم أن تثابر علي الاعلان وأن تهتم بالبضاعة قصدي بضاعة السكس وهز الوسط.. والطبال إياه دكتور الواحدة ونص.. والمهم التكرار والزن علي الودان.. واختيار التوقيت في اللحظات الحامية في بداية مسلسل خاطف للانتباه... وتأكد أنك سوف تعوض ماأنفقت وسوف تفرض السم الهاري الذي تعلن عنه علي جميع مراهقي مصر وعلي طلبة المدارس وعلي العيال والكبار وسوف تبيع وتبيع وتكسب بالهبل.. وسوف يصبح الهامبورجر المضروب وارد حواري نيويورك هو الأكلة المفضلة وطبق اليوم عند الأولاد الشيك.
والذي قام بعملية التزييف كلها كان الاعلان والذي روج للأكذوبة كان التليفزيون والشاشة الصغيرة التي دخلت كل بيت وفرضت سيطرتها علي كل مستهلك.
وماحدث لساندويتش الهامبورجر هو اختصار لما يحدث للتجارة كلها ولأصناف المستوردات من كل لون من ملابس وأدوية ومواد بناء وسيارات ومستحضرات تجميل وثلاجات وغسالات.
والمصري يدفع من جيبه لكل هذه الواردات بسعر الدولار... وإذا فكر أن يصدر بضاعته واختار أجمل ماعنده من منسوجات قطنية وقمصان ليصدرها لأمريكا... فإنه يتهم بالاغراق إغراق السوق الأمريكية ومنافسة القميص الأمريكي... وهو اتهام مشروع ومسموح به في النظام العالمي الجديد.حتي هذه المنافسة المسكينة محظور علينا أن نخوضها وأن نناطح بها الكبار وأصحاب البورصات الأمريكية وأصحاب البنوك وأصحاب المليارات وملوك الصناعة في أمريكا وأكثرهم يهود يملكون سوق المال وبورصة الأسعار ذاتها.. وإذا رفعوا الدولار من342 قرشا مصريا إلي482 قرشا مثلا... فإن هذه الحركة البسيطة سوف تعني أن يفقد كل مواطن في بلدنا وكل مودع ثلث ثروته فهو سوف يشتري كل احتياجاته بزيادة ثلاثين في المائة... وهو نوع من السرقة والسطو العلني الذي يحميه قانون النظام العالمي الجديد بزعامة أمريكا.. فالدولار أصبح زعيم العملات وأصبح يهيمن علي أسعارها جميعا.
والدولار الذي كان يساوي روبلا روسيا واحدا علي أيام الشيوعية أصبح يساوي أربعة آلاف روبل بعد انهيار الشيوعية... وسقط الاقتصاد الروسي إلي الحضيض.. وتحول الشعب الروسي إلي التسول والدعارة وعصابات المافيا وإلي شبه مجاعة.. ولولا ترسانة الرعب من القنابل النووية التي تملكها روسيا لداستها الأقدام.
وماصنعه الملياردير اليهودي سوروس في الاقتصاد الماليزي وفي اقتصاد الدول الأسيوية الصغيرة... حينما اشتري كميات كبيرة من عملاتها ثم طرحها بنصف الثمن.. فانهارت في ليلة واحدة وتحولت النمور الآسيوية التي كانت تناطح الغرب إلي قطط أليفة بين عشية وضحاها.. كل هذه المعارك الخفية التي تدور في الفناء الخلفي للدول النامية يديرها جهابذة النظام العالمي الجديد ودهاقنة الاقتصاد فيه دون أن يسفكوا قطرة دم واحدة.. بينما الضحايا يسقطون والفقر يزحف علي العالم النامي والظلم يسود ليصبح قاعدة.. دون أن تستطيع أن تمسك برقبة ظالم واحد... فهم أيد خفية بالملايين تعمل في الظلام..... وذكاء شرير لنظام عالمي متقدم يحتال علي ملايين الفقراء بلا عدد في الشارع المتخلف.. البروليتاريا الجدد التي تكدح في مؤخرة هذا العالم.
ومظاهرات سياتل كانت بداية الصرخة التي أطلقها هؤلاء الكادحون.. وسوف تليها صرخات وصرخات.. وربما ثورات.. فالعالم يوشك أن يسقط في قبضة قلة من الجبارين الماكرين القادرين أصحاب الحيلة والفلوس.
ولن تكون القنبلة والدبابات والطائرات المقاتلة هي الوسائل المتبعة في هذه الحرب... وإنما الحيلة والمكر والذكاء الجهنمي والاقتصاد والانتاج والدولار والعلم سوف تكون هي الأسلحة القادمة.
والويل للمتخلفين زبائن الهامبورجر وهواة الواحدة ونص وإعلانات الفيديو كليب ومدمني المسلسلات وفنون الاسترخاء الذهني والنوم علي أنغام التليفزيون وأهل الكسل الأحلي من العسل.
هؤلاء سيكونون شحاذي ومتسولي النظام العالمي الجديد وسيأكلون طعامهم مع الكلاب المسعورة وجامعي السبارس.
تعلموا واجتهدوا ياأبناء العالم النامي حتي لاتكونوا منهم.. إنه العمل بجد أو الموت جوعا!
06-25-2007, 09:24 AM
تعلموا واجتهدو .. مصطفي محمود
العرض العادي
